وأمّا الحسـين فمن المعروف عنه أنّه كان لا يعرف قيمة للدنيا ، ولو عرف لها قيمة لبايع يزيد ، وبذلك كان أضاف إلىٰ ثرائه ثراءً آخرَ يدفعه له يزيد بدلاً عن تلك المبايعة ، التي كانت منعت هذه الحرب وذلك الهتك ، وحوّلت معنويّة الحسـين من رجل شـريف نزيه حافظ علىٰ مبدأ أجداده ومعنويّة هذا المبدأ إلىٰ رجل مادّي عبث بكلّ شـيء ، وخضع لكلّ شـيء بتأثير المادّة (١) .
ورواية أُخرىٰ لا تتوافق وصحّة النقل ـ وهي واردة بجواب
__________________
(١) أقـول : إنّ هـذه الفقرة تتضـمّن من التناقضات الشيء الكثير الذي يسـتوقف أي قارئ ، منها :
قوله : « إنّ الحسـن نشـأ علىٰ الأُبّهة والمجد في زمن جدّه وأبيه » .
* وهذا خلاف العقل والمنطق ؛ إذ كيف عاش الحسـن بهذا الوصف والحسـين علىٰ العكس منه وقد ترعرعا سـويةً في كنف أبيهما وجدّهما وتعلّما منهما الزهد والإيثار ؟ !
فهل كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو أمير المؤمنين عليهالسلام يميّزان بين الحسـن والحسـين ؟ ! ألم تنزل آية الإطعام فيهم جميعاً ؟ ! أم هل كان الحسـن ابن حرّةٍ والحسـين ابن أَمة فقيرة ؟ !
كلّ هذه الاسـتفهامات تلجئـنا إلىٰ اليقيـن القطعي أنّ مثـل هذه المقـولات وغيرها هي محض افتـراءات وأكاذيب وضعهـا رواة بني أُميّـة للنيـل من منـزلة الإمام الحسـن عليهالسلام ، وهيهـات !
* وقوله : « وأمّا الحسـين فمن المعروف عنه أنّه كان لا يعرف قيمة للدنيا » .
وهذا ـ أيضاً ـ خلاف منهج الإمام الحسـين عليهالسلام ؛ لأنّ قيمة الدنيا عنـده عليهالسلام معنوية أكثر ممّا هي مادّية ، فهو لا ينظر إلىٰ الدنيا علىٰ أنّها دار بقاء ومتاع ونزوات وشهوات وملذّات ، وإنّما ينظر إليها من منطلق قوله تعالىٰ : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ؛ ولذا فالدنيا عند الحسـين عليهالسلام دار عبادة وطاعة للباري عزّ وجلّ ، والدين هو الوسيلة التي يحافظ بها الإنسان علىٰ الدنيا ، فإذا ذهب الدين ذهبت الدنيا ، وخوفاً علىٰ الدين من الاندراس وعلىٰ الدنيا من الخراب وٱنتشار الفسـاد ـ بسـبب ما يفعله بنو أُميّة ـ ضحّىٰ الإمام عليهالسلام بنفسـه وأهل بيته .