لزم حدوث الحوادث بلا محدث ، وإن كان له محدث ، فإما أن يكون هو العبد ، أو الله سبحانه ، أو غيرهما ، فإن كان هو العبد ، فالقول في إحداثه لتلك الفاعلية كالقول في إحداث سببها ، ويلزم التسلسل ، وهو باطل هاهنا بالاتفاق ، لأنّ العبد كائن بعد أن لم يكن ، فيمتنع أن تقوم به حوادث لا أوّل لها ، وإن كان غير الله ، فالقول فيه كالقول في العبد ، فتعين أن يكون الله هو الخالق المكوّن لإرادة العبد وقدرته وإحداثه وفعله ، وهذه مقدمات يقينية لا يمكن القدح فيها.
فمن قال : إن إرادة العبد وإحداثه حصل بغير سبب ، اقتضى حدوث ذلك ، والعبد أحدث ذلك ، وحاله عند إحداثه كما كان قبله ، بل خص أحد الوقتين بالإحداث من غير سبب اقتضى تخصيصه ، وأنه صار مريدا فاعلا محدثا بعد أن لم يكن كذلك ، من غير من جعله كذلك ، فقد قال ما لا يعقل ، بل يخالف صريح العقل ، وقال بحدوث حوادث بلا محدث.
وقولكم : إن الإرادة لا تعلل ، كلام باطل لا حقيقة له ، فإن الإرادة أمر حادث ، فلا بد له من محدث ، ونظير هذا المحال قولكم في فعل الرب سبحانه أنه بواسطة إرادة يحدثها ، لا في محل من غير سبب اقتضى حدوثها ، يكون مريدا بها للمخلوقات ، فارتكبتم ثلاث محالات : حدوث حادث بلا إرادة من الفاعل ، وحدوث حادث بلا سبب حادث ، وقيام الصفة بنفسها لا في محل. وادعيتم مع ذلك أنكم أرباب العقول والنظر ، فأي معقول أفسد من هذا ، وأي نظر أعمى منه؟.
وإن شئت قلت : كون العبد مريدا أمر ممكن ، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا لمرجّح تام ، والمرجّح التام إما من العبد ، وإما من مخلوق آخر ، وإما من الله سبحانه ، والقسمان الأولان باطلان ، فتعين الثالث كما تقدم ، فهذه الحجة لا يمكن دفعها ، ولا يمكن دفع العلم الضروري باستناد