وبصير لا بصر له ، ومتكلم وقادر لا كلام له ولا قدرة ، فتعطيل الرب سبحانه عن فعله القائم به كتعطيله عن صفاته القائمة به.
والتعطيل أنواع : تعطيل المصنوع عن الصانع ، وهو تعطيل الدهرية والزنادقة ، وتعطيل الصانع عن صفات كماله ونعوت جلاله ، وهو تعطيل الجهمية نفاة الصفات ، وتعطيله عن أفعاله وهو أيضا تعطيل الجهمية وهم أبناؤه ، ودبّ فيمن عداهم من الطوائف ، فقالوا : لا يقوم بذاته فعل ، لأن الفعل حادث ، وليس محلا للحوادث ، كما قال إخوانهم : لا تقوم بذاته صفة ، لأن الصفة عرض ، وليس محلا للأعراض ، فلو التزم الملتزم أيّ قول التزمه ، كان خيرا من تعطيل صفات الرب وأفعاله ، فالمشبّهة ضلالهم وبدعتهم خير من المعطّلة ، ومعطلة الصفات خير من معطلة الذات ، وإن كان التعطيلان متلازمين ، لاستحالة وجود ذات قائمة بنفسها ، لا توصف بصفة ، فوجود هذه محال في الذهن وفي الخارج ، ومعطّلة الأفعال خير من معطلة الصفات ، فإن هؤلاء نفوا صفة الفعل ، وإخوانهم نفوا صفات الذات.
وأهل السمع والعقل وحزب الرسول والفرقة الناجية برآء من تعطيل هؤلاء كلهم ، فإنهم أثبتوا الذات والصفات والأفعال وحقائق الأسماء الحسنى ، إذ جعلها المعطلة مجازا ، لا حقيقة له ، فشرّ هذه الفرق لخيرها الفداء.
والمقصود : أنه أي قول لزمه الملتزم كان خيرا من نفي الخلق وتعطيل هذه الصفة عن الله ، وإذا عرض على العقل السليم مفعول لا فاعل له ، ومفعول لا فاعل لفعله ، لم يجد بين الأمرين فرقا في الإحالة ، فمفعول بلا فعل كمفعول بلا فاعل ، لا فرق بينهما البتة ، فليعرض العاقل على نفسه القول بتسلسل الحوادث ، والقول بقيام الأفعال بذات الرب سبحانه ، والقول بوجود مخلوق حادث عن خلق قديم قائم بذات الرب سبحانه ، والقول بوجود مفعول بلا فعل ، ولينظر أيّ هذه الأقوال أبعد عن العقل والسمع ،