حجابا ، فإن هذه الأمور إذا أضيفت إلى محالها ، كانت بحسب تلك المحال ، فنسبة قفل القلب إلى القلب كنسبة قفل الباب إليه ، وكذلك الختم والطابع الذي عليه ، هو بالنسبة إليه كالختم والطابع الذي على الباب والصندوق ونحوهما ، وكذلك نسبة الصمم والعمى إلى الأذن والعين ، وكذلك موته وحياته نظير موت البدن وحياته ، بل هذه الأمور ألزم للقلب منها للبدن ، فلو قيل : إنها حقيقة في ذلك ، مجاز في الأجسام المحسوسة ، لكان مثل قول هؤلاء وأقوى منه ، كلاهما باطل.
فالعمى في الحقيقة والبكم والموت والقفل للقلب ، ثم قال تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)) [الحج]. والمعنى أنه معظم العمى وأصله ، وهذا كقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما الربا في النسيئة» (١) ، وقوله : «إنما الماء من الماء» (٢) ، وقوله : «ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس» (٣) ، قوله : «ليس المسكين الذي تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، إنما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه» (٤) ، وقوله : «ليس الشديد بالصّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (٥).
ولم يرد نفي الاسم عن هذه المسميات ، إنما أراد أن هؤلاء أولى بهذه الأسماء وأحق ممن يسمونه بها ، فهكذا قوله : (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى
__________________
(١) رواه البخاري (٢١٧٨) ، (٢١٧٩) ، ومسلم (١٥٩٦) عن أبي سعيد وأسامة بن زيد.
(٢) رواه مسلم (٣٤٣) عن أبي سعيد الخدري.
(٣) رواه البخاري (٦٤٤٦) ، ومسلم (١٠٥١) عن أبي هريرة.
(٤) رواه البخاري (١٤٧٦) و (١٤٧٩) و (٤٥٣٩) ، ومسلم (١٠٣٩) عن أبي هريرة.
(٥) رواه البخاري (٦١١٤) ، ومسلم (٢٦٠٩) عن أبي هريرة.