وهذا من جناية القدرية على القرآن ، ومعناه نظير جناية إخوانهم من الجهمية على نصوص الصفات وتحريفها عن مواضعها ، وفتحوا للزنادقة والملاحدة جنايتهم على نصوص المعاد وتأويلها بتأويلات ، إن لم تكن أقوى من تأويلاتهم ، لم تكن دونها. وفتحوا للقرامطة والباطنية تأويل نصوص الأمر والنهي بنحو تأويلاتهم ، فتأويل التحريف الذي سلسلته هذه الطوائف أصل فساد الدنيا والدين وخراب العالم.
وسنفرد إن شاء الله كتابا نذكر فيه جناية المتأوّلين على الدنيا والدين.
وأنت إذا وازيت بين تأويلات القدرية والجهمية والرافضة ، لم تجد بينها وبين تأويلات الملاحدة والزنادقة ، من القرامطة الباطنية وأمثالهم ، كبير فرق. والتأويل الباطل يتضمن تعطيل ما جاء به الرسول. والكذب على المتكلم أنه أراد ذلك المعنى ، فتتضمن إبطال الحق وتحقيق الباطل ، ونسبة المتكلم إلى ما لا يليق به ، من التلبيس والإلغاز ، مع القول عليه ، بلا علم ، أنه أراد هذا المعنى. فالمتأوّل عليه أن يبيّن صلاحية اللفظ للمعنى الذي ذكره أولا ، واستعمال المتكلم له في ذلك المعنى في أكثر المواضع ، حتى إذا استعمله فيما يحتمل غيره ، حمل على ما عهد منه استعماله فيه ، وعليه أن يقيم دليلا سالما عن المعارض على الموجب ، لصرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه واستعارته ، وإلا كان ذلك مجرد دعوى منه ، فلا تقبل. وتأويل بعضهم هذه النصوص ، على أن المراد بها هداية البيان والتعريف ، لا خلق الهدى في القلب ، فإن الله سبحانه لا يقدر على ذلك ، عند هذه الطائفة ، وهذا التأويل من أبطل الباطل ، فإن الله سبحانه يخبر أنه قسم هدايته للعبد قسمين ، قسما لا يقدر عليه غيره ، وقسما مقدورا للعباد ، فقال في القسم المقدور للغير : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) [الشورى] وقال في غير المقدور للغير : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (٥٦)) [القصص] وقال : (مَنْ