الأشكال ، وإن كانت زواياها واسعة إلا أنها لا تمتلئ العرصة منها ، بل يبقى فيما بينها فروج خالية ضائعة ، وأما المسدس فهو موصوف بهاتين الصفتين ، فهداها سبحانه على بناء بيوتها على هذا الشكل من غير مسطر ولا آلة ولا مثال يحتذى عليه ، وأصنع بني آدم لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالآلات الكبيرة ، فتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها على قوتها وتأتيها ذللا لا تستعصي عليها ، ولا تضل عنها ، وأن تجتني أطيب ما في المرعى وألطفه ، وأن تعود إلى بيوتها الخالية ، فتصب فيها شرابا مختلفا ألوانه فيه شفاء للناس ، إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، فإذا فرغت من بناء البيوت ، خرجت خماصا ، تسيح سهلا وجبلا ، فأكلت من الحلاوات المرتفعة على رءوس الأزهار وورق الأشجار ، فترجع بطانا ، وجعل سبحانه في أفواهها حرارة منضجة ، تنضج ما جنته ، فتعيده حلاوة ونضجا ، ثم تمجّه في البيوت حتى إذا امتلأت ، ختمتها ، وسدت رءوسها بالشمع المصفى ، فإذا امتلأت تلك البيوت ، عمدت إلى مكان آخر ، إن صادفته ، فاتخذت فيه بيوتا ، وفعلت كما فعلت في البيوت الأولى.
فإذا برد الهوى وأخلف المرعى وحيل بينها وبين الكسب ، لزمت بيوتها ، واغتذت بما ادخرته من العسل ، وهي في أيام الكسب والسعي تخرج بكرة ، وتسيح في المراتع ، وتستعمل كل فرقة منها بما يخصها من العمل ؛ فإذ أمست ، رجعت إلى بيوتها ، وإذا كان وقت رجوعها وقف على باب الخلية بوّاب منها ، ومعه أعوان ، فكل نحلة تريد الدخول يشمّها البواب ، ويتفقدها ، فإن وجد منها رائحة منكرة ، أو رأى بها لطخة من قذر ، منعها من الدخول وعزلها ناحية إلى أن يدخل الجميع ، فيرجع إلى المعزولات الممنوعات من الدخول ، فيتفقدهن ، ويكشف أحوالهن مرة ثانية ، فمن وجده قد وقع على شيء منتن أو نجس ، قدّه نصفين ، ومن كانت جنايته خفيفة تركه خارج الخلية ، هذا دأب البواب كل عشية.