ولا ريب أن هذا العمل من القادر يوجب اتساع رقعة المذاهب الأربعة وكثرة المتبوعية لها وضعف باقي المذاهب السنية وقلة متبوعيتها وندرة الدعاة لها لأن الخلافة العباسية مهما تطور الوضع بها وانحط نفوذها الزمني فهي لم تفقد سيادتها الروحية وبقيت تحتفظ بزعامتها الدينية عملا وعقيدة والخليفة العباسي وإن فقد سلطته الزمنية إلا انه لم يتجرد حتى عند رعيته عن كونه إماماً روحياً وزعيماً دينياً ومصدراً لجميع السلطات الإلهية وانه الرئيس الفعلي للحكومة الدينية فإذا صدر منه الأمر بالعمل بتلك المذاهب الأربعة لا ريب كان معناه إلغاء العمل بما عداها من المذاهب بحكم الزعيم الديني ولا ريب أن ذلك يوجب اضمحلالاً شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى وبالفعل أخذت باقي المذاهب بالتلاشي شيئاً فشيئاً حتى إذا عصفت العاصفة الكبرى وحلت الطامة العظمى سنة ٦٥٦ ه باحتلال المغول (التتر) بغداد وبلغ منهم التخريب والتهديم والحرق والذبح منتهى المبلغ ستة أسابيع حتى صارت الدماء تنساب على الطرقات وصبغت ماء دجلة باللون الأحمر الثاني عدة أميال وهدمت الجوامع والمدارس وأحرقت الكتب والنفائس وقتل المغول (التتر) الخليفة المستعصم وأولاده ولم ينج منهم نافخ ضرم وانقرضت بذلك الخلافة العباسية في بغداد وظل الأفق السني طوال ثلاث سنين ونصف بلا خلافة