ولهذا ترى أنّه صار من دأب الخصوم في مجلس المرافعة إذا سألهم خصمهم من أين حصل لك هذا المال؟ يقولون : سقط من السماء وصار ملكي ، فإنّه أيضا فرار من الاعتراف الموجب لبطلان يدهم.
والحاصل أنّه لو اعترف بالنقل من شخص آخر لا يضرّ ، ولو كان معلوما لنا أنّه لو كان مالكا لكان مسبّبا من يد خصمه ، ولكن لم ينطق هو بهذا لسانا لا يضرّ أيضا ، فالمضرّ هو إقراره اللساني لخصمه في مقام المنازعة ، وأمّا سؤال أنّه ما وجه هذا التقييد مع أنّه لا فرق في الكشف والطريقيّة بين ما قبل الاعتراف وما بعده فليس علينا الفحص عنه ، وهل هو إلّا نظير السؤال في عدم حجيّة بعض الظنون مع عدم قصورها في الطريقيّة عن بعض الظنون المعتبرة.
وبالجملة ، فعلى هذا يصير القلب والانتزاع المذكوران على طبق القاعدة ، فإن بطل حسب الفرض وصار كالمعدوم فنرجع إلى الاستصحاب للملكيّة الثابتة بإقراره للخصم ، فهو مدّع وخصمه منكر ، وثبوت العين في يده أيضا على خلاف الاستصحاب.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من بطلان اليد بالإقرار بالتلقّي من الخصم أو مورّثه ، أو مورّث من يقوم مقامه إنّما هو مخصوص بما إذا قام المنكر بقباله وأنكر إنكارا جزميّا ، وأمّا إذا لم ينكر وإنّما أظهر الجهل ، فلا يسقط اليد عن الحجيّة أصلا.
ومن هنا يظهر أنّ مطالبة أبي بكر البيّنة من سيّدتنا فاطمة سلام الله عليها كانت على خلاف قوله صلىاللهعليهوآله : البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.
ولا يرد الإشكال بأنّها صلوات الله عليها ادّعت التلقّي ممّن تركته فيء المسلمين على زعمهم الفاسد في مقابل أبي بكر الذي هو وليّهم بزعمهم الكاسد ، فقد أبطلت يدها دعواها هذه وصارت مدّعية والمسلمون منكرين ، وذلك لأنّه لم يقم بقبالها صلوات الله عليها أحد بالدعوى الجازمة بتكذيبها صلوات الله عليها في دعوى النحلة والعطيّة ، وقد قلنا : إنّ بطلان اليد مع عدم إظهار الجزم من الطرف غير صحيح.