الجزم وجب عقلا ترشّح الجزم إلى كلّ من هذه القيود ، ولا يمكن خلاف ذلك إلّا بإخراج القيد عن حيّز الجزم ، فإذا كان المجزوم به ومتعلّق التصديق هو وجود النهار المقيّد بكونه مترتّبا على الطلوع لزم عقلا تعلّق الجزم بكلّ من القيود الثلاثة لهذا الموضع المجزوم به أعني الطلوع ووجود النهار والترتّب ، وحلّ هذه العويصة أيضا بمثل ما قلناه في القضايا التعليقيّة التي يكون المعلّق فيها هو الحكم ، وهو أن يقال : إنّ الجزم متعلّق بوجود النهار ، لكن بعد فرض طلوع الشمس فالمتكلّم يفرض طلوع الشمس محقّقا في الخارج ، وينظر إليه بالنظر الفراغي ، ففي هذا الفرض يصير جازما بنفس وجود النهار ، فكما لو كان نفس الطلوع محقّقا في الخارج كان جازما بوجود النّهار كذلك إذا أخذ فرضه في الذهن ونظر إليه بالنظر الفراغي كان أيضا جازما بوجود النهار.
ومن هنا يظهر الكلام في القضيّة التعليقيّة التي يكون المعلّق فيها هو الموضوع التعبّدي أي المتعبّد به مثل ما إذا قال في مورد الشكّ فى شيء إذا جاءك زيد فالطواف بالبيت صلاة، حيث إنّ المعلّق عليه خارج عن حيّز التعبّد والمنزلة ، وإنّما هما ثابتان لنفس الطواف في فرض حصول المعلّق عليه ، فليس المتعبّد به وموضوع المنزلة إلّا نفس الطواف في هذا الفرض ، ولازمه أنّه إذا لم يتحقّق المعلّق عليه لم يظهر أثر لهذا التعبّد ، فإذا تحقّق صار منشئا للآثار.
وعلى هذا فيرفع غائلة الإشكال في الاستصحاب التعليقي في ما نحن فيه ، فإنّه يقال: إنّ الشارع يفرض وجود الصلاة حاصلا ومفروغا عنه ، فيتعبّد في هذا الفرض بعدم الوقوع في جزء غير المأكول ، فما لم يتحقّق وجود الصلاة في الخارج لم يكن لهذا التعبّد أثر ، فإذا تحقّق صار منشئا للآثار.
وحينئذ نقول في دفع الإشكال المتقدّم على الاستصحاب التعليقي : إنّك إذا تيقّنت في الزمان السابق بأنّ الصلاة إذا وجدت كانت موصوفة بوصف كذا ثمّ شككت في اللاحق في أنّها إذا وجدت تكون موصوفة بهذا الوصف أو لا ، فالشارع أوجد لك في هذا المورد قضية مطابقة مع القضيّة المتيقّنة ، فكما كنت في السابق متيقّنا