والحاصل أنّ ما وقع مركب الطلب في ذهن الآمر غير معلوم بعينه ومردّد بين عنوانين هما المطلق والمقيّد والمهملة ، وإن كانت متحقّقة في المطلوب على كلّ تقدير ، لكنّه معلوم عدم تعلّق الطلب بعنوانه.
قلت : إن أردت عدم صحّة نسبة الطلب على وجه الحقيقة إلى المهملة فممنوع ؛ لوضوح صدق ذلك حقيقة كما مرّ ، وإن أردت أنّه مع ذلك لا يكون الأمر المتوجّه إليه المعلوم على أيّ تقدير موضوعا لحكم العقل بوجوب الإطاعة ، لأنّه موقوف على معرفة عنوان المأمور به تفصيلا ، فهذا ما استظهر من صاحب الحدائق من التفصيل في باب الشبهة المحصورة بين ما إذا كان المشتبهان فردين لعنوان واحد ، كما لو اشتبه النجس بين إناءين ، وبين ما لو كانا فردين لعنوانين ، كما لو علم أنّ أحد الإنائين إمّا خمر أو الآخر مغصوب ، فيجب الاجتناب في الأوّل دون الثاني.
والحقّ عدم الفرق في حكم العقل بوجود إطاعة المولى وحرمة مخالفة الخطاب المعلوم بين الصورتين ، والحاصل أنّ المكلّف وإن لم يعلم بتوجّه خطاب «لا تشرب الخمر» ولا بتوجّه خصوص «لا تغصب» ولكنّه يعلم بتوجّه أحدهما ، والعلم بهذا العنوان المنتزع يكفي في حكم العقل ، وكذلك هنا وإن لم يعلم بتوجّه خصوص «أعتق رقبة» على وجه الإطلاق ولا خصوص «أعتق الرقبة المؤمنة» ولكنّه يعلم بتوجّه وجوب أصل الإعتاق ، وبعد فرض صحّة نسبة الوجوب إلى هذا العنوان المنتزع وصدقها حقيقة لا وجه لعدم جريان حكم العقل فيه.
فإن قلت : سلّمنا ذلك ، ولكن نقول : توجّه الطلب نحو المهملة يكون على نحوين متفاوتين بحسب الواقع وبحسب الامتثال ، أحدهما : أن يقع متعلّقا له على وجه كان هو وحده دخيلا في المطلوب ولم يكن معه شيء آخر ، والثاني : أن يقع متعلّقا على نحو الاندكاك في المقيّد ، بحيث كان المطلوب هو المقيّد ، وكان صحّة إضافة الطلب إلى المهملة موقوفة على لحاظها بنحو الاندكاك دون الاستقلال ، وامتثال القسم الأوّل يحصل بإتيان أي فرد كان عنوان المهملة منطبقا عليه ، وامتثال الثاني إنّما يحصل بإتيان خصوص الفرد الذي ينطبق عليه المقيّد ؛ لوضوح