فلا شكّ في كون ارتكاب هذا البعض مورثا للعقاب شرعا وعقلا أيضا من باب مخالفة المولى.
والحاصل أنّه يمكن أن يقال بأنّ من أتلف نفسه لملالته من حياة الدنيا فلو لا تنصيص الشرع على تحريم عمله لم يكن للعقل حكم بتحريمه ، فعلى فرض تسليم كون احتمال المفسدة الذات الشيئيّة احتمال الضرر ، لا نسلّم حكم العقل حتى نستكشف به حكم الشرع ، ويكون هو البيان في مورد احتمال التكليف.
ثمّ بعد تسليم حكم العقل الذي هو كبرى المطلب يمكن منع الصغرى وهو قيام احتمال الضرر في مورد احتمال التكليف من حيث إنّ المفاسد الكائنة في ذوات الأشياء ليست إلّا عبارة عن الحسن والقبح العقليين ، بمعنى حبّ العقل للشيء متى تصوّره أو بغضه له ، وليس وراء محبوبيّة نفس الشيء ومكروهيّته لدى العقل أمر آخر ، فلا يلزم وجود ضرر في الشيء لتكون المفسدة والقبح باعتباره ، بل هو ذاتا قبيح ولا يقبل قبحه السؤال ب «لم» ولهذا قبح الظلم يدركه من لا يتديّن بدين ولا يعتقد بالعقوبة الاخرويّة كالدهريّة ، وإلّا فمع قطع النظر عن القبح الذاتي في الشيء القبيح فربّما لا يتضرّر فاعله ، بل ينتفع كالظالم ، نعم ربّما تكون المنفعة أو المضرّة مناطا للحكم شرعا وعقلا.
وأمّا الكلام في نفس المفسدة مع قطع النظر عن الضرر فلا شكّ أنّها مع العلم بها واضح أنّ العقل مستقبح ، وهو مستتبع لحكم الشرع وهو يكون بيانا ، وأمّا مع احتمالها كما هو فرض المقام فهنا ثلاث مراتب من الكلام.
الأوّل : إنّ من ارتكب محتمل المفسدة فهو على تقدير إصابة احتماله للواقع و
__________________
ـ لا نسلّم كون كل مفسدة ومصلحة راجعة إلى الضرر والنفع ، وثانيا أنّ الآية محمولة على ما هو التهلكة بنظر العرف والعامّة ، وأمّا مثل هذا الذي لا يخطر بأذهان العوام ، بل الخواص مختلفون ، فبين من يعتبر المصالح والمفاسد في نفس المتعلّقات وبين من يكتفي بوجودها في نفس الأحكام والإنشاءات ، فيمكن دعوى القطع بخروجه عن مدلول الآية ، منه قدسسره الشريف.