فقلت : صلاح الدّين يسلّم عليك ، ويطلب منك فرسا. فقال : ما عندي إلّا الفرس الّذي أنا راكبه ، ونزل عنه وشقّ خفّيه ورمى بهما ، وسلّم إليّ الفرس ، فأتيت به صلاح الدّين. ولزم العاضد بيته.
قلت : واستقلّ صلاح الدّين بالأمر ، وبقي العاضد معه صورة إلى أن خلعه ، وخطب في حياته لأمير المؤمنين المستضيء بأمر الله العبّاسيّ ، وأزال الله تلك الدّولة المخذولة. وكانوا أربعة عشر متخلّفا لا مستخلفا.
قال الإمام شهاب الدّين أبو شامة (١) : اجتمعت بالأمير أبي الفتوح ابن العاضد وهو مسجون مقيّد في سنة ثمان وعشرين وستّمائة ، فحكى لي أنّ أباه في مرضه استدعى صلاح الدّين فحضر ، قال : فأحضرونا ، يعني أولاده ، ونحن صغار ، فأوصاه بنا ، فالتزم إكرامنا واحترامنا.
قال أبو شامة (٢) : كان منهم ثلاثة بإفريقية وهم الملقّبون بالمهديّ ، والقائم ، والمنصور ، وأحد عشر بمصر ، وهم : المعزّ ، والعزيز ، والحاكم ، والظّاهر ، والمستنصر ، والمستعلي ، والآمر ، والحافظ ، والظّافر ، والفائز ، والعاضد ، يدّعون الشّرف ، ونسبتهم إلى مجوسيّ أو يهوديّ ، حتّى اشتهر لهم ذلك بين العوامّ ، فصاروا يقولون الدّولة الفاطميّة والدّولة العلويّة. إنّما هي الدّولة اليهوديّة ، أو المجوسيّة الملحدة الباطنيّة.
قال : وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر أنّهم لم يكونوا لذلك أهلا ، ولا نسبهم صحيح ، بل المعروف أنّهم بنو (٣) عبيد. وكان والد عبيد هذا من نسل القدّاح الملحد المجوسيّ.
قال : وقيل كان والد عبيد هذا يهوديّا من أهل سلميّة ، وكان حدّادا. وعبيد كان اسمه سعيد ، فلمّا دخل المغرب تسمّى بعبيد الله ، وادّعى نسبا ليس
__________________
(١) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٢.
(٢) في الروضتين ج ٢ / ٥١٠ ، ٥١١.
(٣) في الأصل : «بنوا».