أقول :
هذا جواب عن إلزام الأشاعرة وتقريره : أنّ النظريّ (١) على قسمين : فطريّ القياس وغير فطريّ القياس. ونعني بفطريّ القياس ما يكون حاصلا من مقدّمتين بديهيّتين لا يخلو الذهن منهما فإنّ تلك النتيجة لا يخلو الذهن منها أيضا كقولنا : الاثنان نصف الأربعة لأنّه حصل من مقدّمتين إحداهما الاثنان عدد انقسمت (٢) الأربعة إليه وإلى ما يساويه ، وكلّ عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه فهو نصف الأربعة ، فينتج أنّ الاثنين نصف الأربعة ، فهذه النتيجة لمّا حصلت من مقدّمات لا يخلو الذهن عنها كانت تامّة (٣) في الذهن دائما ، بخلاف الاستدلال على حدوث العالم ، فإنّه إنّما يكون بمقدّمات نظريّة يخلو الذهن عنها فيخلو عن نتيجتها.
ووجوب النظر من قبيل القسم الأوّل فالذهن (٤) لا يخلو عن (٥) معرفة وجوبه وإن كان نظريّا (٦) ، وحينئذ لا يلزم الإفحام لأنّ النبيّ إذا قال للمكلّف : اتّبعني ، قال : لا أتّبعك حتّى أعرف صدقك ولا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، والنظر لا أفعله حتّى أعرف وجوبه فيقول النبيّ له : إنّك تعرف وجوب النظر لدفعه الخوف ، فيتنبّه المكلّف لوجوب النظر فحينئذ ينظر (٧) بخلاف الأوّل.
__________________
(١) في «ج» «ر» : (النظر).
(٢) في «أ» : (انقسم).
(٣) في «ف» : (ثابتة).
(٤) في «ب» : (فإنّ الذهن).
(٥) في «ب» : (من).
(٦) في «ب» : (إذ كان فطريا) بدل من : (وإن كان نظريا).
(٧) قوله : (فحينئذ ينظر) لم يرد في «ج» «ب».