استعاذته صلىاللهعليهوسلم بصفة الرضا من صفة السخط ، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة ، فالأول للصفة ، والثاني لأثرها المترتب عليها ، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه ، وأن ذلك كله راجع إليه وحده ، لا إلى غيره ، فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك ، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك ، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه ، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه ، فإعاذتي مما أكره وأحذر ، ومنعه أن يحل بي هو بمشيئتك أيضا ، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك ، فعياذي بك منك : عياذي بحولك وقوتك وقدرتك ورحمتك وإحسانك ، مما يكون بحولك وقوتك وقدرتك وعدلك وحكمتك ، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ، ولا أستعيذ بغيرك من شيء هو صادر عن مشيئتك وقضائك ، بل أنت الذي تعيذني بمشيئتك مما هو كائن بمشيئتك ، فأعوذ بك منك» (١).
ثالثا : من الفطرة :
فقد فطر الله عباده على أن يقولوا : هذا الفعل يحبه الله ، وهذا يكرهه الله ، والكل واقع بقدرة الله ومشيئته (٢).
وهذا كله مما يدل على أن هناك فرقا بين الإرادة والمشيئة وبين المحبة والرضا.
ثمّ إنّ الإرادة عند أهل السنة وكما جاء في كتاب الله على نوعين :
أحدهما : الإرادة الكونية القدرية :
وهي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد ، التي يقال فيها : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (٣).
وهي الإرادة الشاملة لجميع ما يقع في الكون ، ومن أدلتها :
__________________
(١) «مدارج السالكين» (١ / ٢٥٤ ، ٢٥٥). وقد توسع ـ رحمهالله ـ في شرحه في «شفاء العليل» (٢ / ٢٦٥).
(٢) «مدارج السالكين» (١ / ٢٥٤).
(٣) مجموع الفتاوى (٨ / ١٨٨).