لأنها استوحشت
مخافة أن تنقل إلى ما هو شرّ منه ، وإنما يطلب الموت الموقنون الذين تيقّنوا أنهم
ملاقو ربّهم ، وإنهم إليه راجعون ، فيتمنّون الموت تشوقا إلى لقاء الله في الدار
الآخرة ؛ لكونهم يتولّون الله ، ويحبّونه ، كما في قوله تعالى : (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ
لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، وأولئك هم النفوس الإنسانية الّتي وصلت في حياتها
الدنياوية إلى الغبطة العظمى ، فأشرف أحوالها أن تكون عاشقة مشتاقة ، فشوقها يؤدي
إلى الطلب السريع ، والسير الحثيث إلى الحقّ ، حتّى إذا أدّت الحركة إلى النيل بطل
الطلب ، وصفت البهجة ، وحقّت ، وهو الفناء الّذي يسمى بالولاية ، وإليهم الإشارة
بقولهعزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) .
فصل
وأمّا النفوس
الحيوانية ، سواء كانت من نوع الإنسان ، أو أنواع أخرى حيوانية ، طالبة لكمالات
وهمية ، وخيرات خيالية ، فهي صنفان : سعيدة ، وشقيّة.
فالسعيدة نفوس
بشرية ، تتصوّر الحقّ الأوّل تصوّرا مثاليا ، وتتمثل لها الوسائط العقلية بالأمثلة
المأخوذة عن المبادىء الجسمانية ، والأفعال الباطنية المقرّبة إليه ، والنيّات
الصالحة المزلفة لديه بنظائرها من الأفعال الصادرة من خدّام السلاطين ، وعبيد
الملوك ، وتتخيل الغايات الحقيقية ، كالغايات الحسّية ، فكأنهم يعبدون حكاية الحقّ
الأوّل ، ويعشقون ذلك، لا ذاته تعالى ، فلهذا صارت
__________________