الحقيقية غير مدنّسة بشيء من الاعتقادات الفاسدة ، والهيئات الرديئة ، وإن كانت المرتبة السامية والغرفة العالية إنّما تنال بعد المفارقة ، واستصحاب النفس لأكمل زاد (١).
وقال في بيان حقيقة وسوسة الشيطان : إن الفعل إنّما يصدر من الإنسان بواسطة أمور مترتبة ترتيبا طبيعيا ، أوّلها تصور كون الفعل ملائما ، وهو المسمى بالداعي ، ثمّ إنّ ذلك الشعور يترتب عليه ميل النفس إلى الفعل المسمى ذلك الميل إرادة ، فيترتب على ذلك الميل حركة القوّة النزوعية المحركة للقوّة المسماة قدرة ، المحركة للعضل إلى الفعل.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : صدور الفعل عن مجموع القدرة والإرادة أمر واجب ، فليس للشيطان فيه مدخل ، ووجود الميل عن تصوّر كونه نافعا وخيرا أمر لازم ، فلا مدخل للشيطان أيضا فيه ، فلم يبق له مدخل إلّا في إلقاء ما يتوهّم كونه نافعا أو لذيذا إلى النفس ، ممّا يخالف أمر الله سبحانه ، فذلك الإلقاء في الحقيقة هو الوسوسة ، وهو عين ما حكى الله سبحانه عنه بقوله : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(٢).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن متابعة إبليس تعود إلى انقياد النفس لجذب الوهم والقوى البدنية الّتي هي الشياطين عن الوجهة المقصودة ، والقبلة الحقيقية وهي عبادة الحقّ سبحانه ، وفتنتها لها بتزيين ما حرّم الله عليها.
فأما ما يقال : إن إبليس لم يكن له تمكّن من دخول الجنة ، وإنما توسّل بالحيّة ودخل في فمها إلى الجنّة ، حتّى تمكّن من الوسوسة لآدم عليهالسلام ، واغتراره ،
__________________
(١) ـ شرح نهج البلاغة ، لابن ميثم البحراني : ١ : ١٩٣.
(٢) ـ سورة إبراهيم ، الآية ٢٢.