فصل
كلّ هيئة وصفة ترسّخت في النفس ، وتأكّدت فيها من تكرر فاعليها ، وأعمالها ، تسمى في الشرع ملكا إن كانت حسنة ، وشيطانا إن كانت سيئة ، وفي الحكمة كلتاهما ملكة ، وهي صورة جوهرية نفسانية ، هي مبدأ آثار مختصة بها ، فيصدر بسببها الفعل المناسب لها بسهولة من غير رويّة ، وتعمّل ، كالصناعات والمكاسب العلمية والعملية ، وإنما يحدث ذلك باشتداد الكيفية النفسانية الّتي هي مبدأ الفعل والقول أولا ، واستحكامها بالتكرار ، كما تحدث الصورة النارية المحرقة باشتداد الحرارة الضعيفة في الفحم ، ولو لم يكن للنفوس الإنسانية هذا التأثر من الفعل أولا ، ثمّ اشتداد ذلك الأثر فيها يوما فيوما ، لم يمكن لأحد من الناس اكتساب شيء من الصناعات ، ولم ينجع التأديب والتعليم لأحد.
فهذه الآثار الحاصلة من الأفعال والأقوال والعقائد في النفوس بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح ، كما قال الله سبحانه : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (١) ، وهذه الألواح النفسية يقال لها صحائف الأعمال.
وهذه النقوش والصور كما تفتقر إلى قابل يقبلها ، تفتقر إلى ناقش ومصوّر ، فالمصورون والكتّاب هم الكرام الكاتبون ، المشار إليهم بقوله سبحانه : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (٢) ، وهم طائفتان : ملائكة اليمين ، وملائكة الشمال ، قال تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ
__________________
(١) ـ سورة المجادلة ، الآية ٢٢.
(٢) ـ سورة الانفطار ، الآية ١٠ ـ ١٢.