فصل
إن الإنسان كما ينتفع من إلهام الملك ، فكذلك ينتفع من وسوسة الشيطان بوجه ؛ وذلك لأنّ وجود الشياطين من الله سبحانه لا محالة لحكمة ومصلحة ، وإلّا لم توجد ؛ لاستحالة العبث والتعطيل عليه تعالى ؛ وذلك أن اتباع الشياطين كلهم تبعة الوهم والخيال ، ولو لم يكن أوهام المعطّلين وخيالات المتفلسفين والدهريين ، وسائر أولياء الطاغوت ، ومراتب جربزتهم ، وفنون اعوجاجاتهم ، لما انبعث أولياء الله في تحقيق الحقائق ، وتعليم العلوم ، وطلب البراهين لبيان التوحيد ، وعلّة حدوث العالم ، بالكشف واليقين ، وغير ذلك ، وكذلك في الأخلاق والأعمال.
مثلا : لو لم يكن اغتياب المغتابين ، وتجسّس المتجسّسين لعيوب الناس لم يتجنب كلّ التجنب من العيوب الخفية الّتي لا يراها أحبّاؤه ، وإنما يظهر له ثبوتها من تدقيقات أعدائه ، وتجسّسهم عيوبه ، وإظهارهم إياها ، فكم من عدو خبيث الذات انتفع الإنسان من عداوته أكثر ممّا انتفع من محبة صديقه ، فإنّ المحبّة ممّا تورث الجهل بعيوب المحبوب ، والعمى والصمم عن معاينة معايبه ، وسماع مثالبه ، كما قيل : حبّك للشيء يعمي ، ويصمّ.
فظهر أن لوجود الأعمال الشيطانية منافع عظيمة للناس ، وما لا نعلمه أكثر ، وتمام الكلام في معرفة الشيطان وحقيقته ، يأتي في محله إن شاء الله.