وأيضا هو من حيث إنّه أحبّ الظهور ، باطن ، ومن حيث إنّه خلق الخلق على وفق محبّته ، ظاهر ، فإذن هو الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم.
فصل
لعلك بعدما أحكمت الأصول السالفة لا تشكّ في أن فاعليته تعالى للعالم ليس فاعلية بالطبع ، ولا بالقسر ، ولا بالجبر ، ولا بالقصد ، فهو سبحانه ـ إذن ـ إمّا فاعل بالعناية ، أو بالرضا.
وعلى أيّ التقديرين فهو مختار في فعله ؛ لأنّه إنّما صدر عنه بعد علمه بكيفية نظام الخير في الوجود ، وبأنه يصدر عنه ، وبأنه إنّما يصدر عنه لأجل علمه بذلك ، ومشيئته ، اللذين هما عين ذاته تعالى ، غير مستكره ، ولا مقهور ، ولا مغلوب ، ولا مغرور ، كما قال سبحانه : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) (١) ، وقال : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٢).
ولا بدّ بعد الاختيار من وقوع المختار دون غيره ، والمختار لا بدّ أن يكون أحسن ما يمكن أن يكون ، وهو ما هو الأمر عليه ، كما يأتي بيانه في محلّه ، إن شاء الله ، فالوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، بل يحقّقه.
فإذا ثبت هذا ، وقد دريت أن لكلّ شهادة غيبا ، وأن لكلّ طبيعة نوعية في هذا العالم حقيقة عقلية عند الله ، وقد ثبت أن كلّ ما جرى في هذا العالم
__________________
(١) ـ سورة الفرقان ، الآية ٤٥.
(٢) ـ سورة النحل ، الآية ٩.