وصل
وأيضا لو لم يكن هو سبحانه بوحدته كلّ الأشياء لكانت ذاته متحصّلة القوام من هويّة أمر ، ولا هوية أمر ، فيكون مركّبا ، ولو في العقل ؛ وذلك لأنّ ما به الشيء هو هو ، غير ما به ، يصدق عليه أنّه ليس هو ، فإنّا إذا قلنا ـ مثلا ـ : الإنسان يسلب عنه الفرس، أو الفرسية ، فليس هو من حيث هو إنسان ، لا فرس ، وإلّا لزم من تعقّله تعقّل ذلك السلب ؛ إذ ليس سلبا بحتا ، بل سلب نحو من الوجود ، فكلما كان الشيء أبسط ، فهو أحوط للوجود ، وأشمل ، وبالعكس ، كذا أفاد أستاذنا ، دام ظلّه (١).
فهو سبحانه لما كان مجرّد الوجود ، القائم بذاته من غير شائبة كثرة أصلا ، فلا يسلب عنه شيء من الأشياء ، فهو تمام كلّ شيء وكماله ، والمسلوب عنه ليس إلّا قصورات الأشياء ، فما من ذرّة من ذرّات العالم إلّا وهو محيط بها ، قاهر عليها ، أقرب من وجودها إليها ؛ لأنّه تمامها ، وتمام الشيء أحقّ به ، وأوكد له من نفسه.
ومن هنا قال تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (٢) ، ونحن أقرب إليه منكم (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣) ، (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٤).
__________________
(١) ـ أنظر : الشواهد : ٤٧ ، الإشراق العاشر ، في أنّه جلّ اسمه كلّ الوجود.
(٢) ـ سورة البقرة ، الآية ١٨٦.
(٣) ـ سورة ق ، الآية ١٦.
(٤) ـ سورة فصلت ، الآية ٥٤.