مسألة : ذهبت الأشعرية الى أن النظر لا يولد العلم (١) وإنما يحصل عقيبه العلم بالعادة ، وذهبت المعتزلة الى أنه يولده وهو مذهب السيد مرتضى والشيخ أبي جعفر من أصحابنا (٢).
ونقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين أنهما قالا (٣) : باستلزام النظر للعلم على سبيل الوجوب لا بكون النظر علة ولا مولدا.
ومذهب الأوائل أن النظر سبب معد لحصول العلم من المبدأ الفياض.
احتجت الأشعرية بأن كل حادث فهو مستند الى الله تعالى على ما يأتي فالعلم كذلك.
وكلية القضية عندنا كاذبة وسيأتي.
احتجت المعتزلة بأن العلم يجب وقوعه عند النظر الصحيح في الدلالة وبحسبه ، ومعنى قولهم : إنه يقع بحسبه أنه يحصل العلم بالمدلول الذي يطلبه بالنظر في دليله ، ولأنه يكثر بكثرته ويقلّ بقلّته فيكون متولدا عنه.
أما الصغرى فاستدلوا عليها بالوجدان ، فانا نعلم أن النظر متى حصل حصل العلم قطعا ومتى لم يحصل لم يوجد العلم.
وأما الكبرى فبالقياس على سائر الأسباب والمسببات.
وهذه الحجة عندي ضعيفة ، فان حصول الشيء عقيب غيره لا يدل على
__________________
(١) قال الايجي في المواقف ما ملخصه : ان في كيفية افادة النظر العلم ثلاثة مذاهب : الاول مذهب الشيخ (وهو الشيخ ابو الحسن الاشعري) انه بالعادة ، والثاني مذهب المعتزلة انه بالتوليد ، والثالث مذهب الحكماء انه بسبيل الاعداد (المواقف ص ٢٧).
(٢) كما جاء ذلك في : السيد المرتضى ، الذخيرة ص ١٦٠ ، والشيخ ابو جعفر الطوسي ، تمهيد الاصول ص ١٩٠.
(٣) انظر عن مذهب هذين الرجلين في المسألة إلى : إمام الحرمين الجويني ، الشامل في اصول الدين ص ١١.