وَمَثْواكُمْ) [محمد : ١٩] ، التقلب من الخلق ، وعلم الخالق محيط بهم ، ولا يقدر أحد أن يخرج من علم الله ، وليس علم الله الذي يدخلهم في الطاعة ويخرجهم من المعصية ، ولكن (قوما) اختاروا الطاعة على المعصية فاستوجبوا من الله الرضى والرضوان ؛ لأنهم سعوا في إرادة الله ومشيئته ، واختار قوم المعصية على الطاعة ، فاستوجبوا من الله السخط والعقوبة ؛ لأنهم سعوا في سخط الله وكرهوا رضوانه ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٢٨] ، واتبعوا أهواءهم ، وأرضوا الشيطان بفعلهم ، فصاروا في حزبه : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المجادلة : ١٩] ؛ لأن الله لا يقدّر أبدا ما يكره ، ولا يقدّر إلا ما يرضى ، وليست مشيئته تقع إلا على رضاه ، ولا يكره إلا ما يسخطه ، فاعلم ذلك ، (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، كما قال عزوجل : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌ) [هود : ١٠٥] ، في ذلك اليوم بعمله القبيح الذي قدمه في دار دنياه ، ومنهم سعيد بعمله الصالح الذي قدمه في هذه الدنيا ، ولذلك قال عزوجل : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] ، يقول : إنه يعيدهم ويخلقهم يوم القيامة خلقا ثانيا ، من خرج من الدنيا عاصيا لجهنم ، وإن كان لفظ (ذرأنا) لفظ ماض فمعناه مستقبل ، كما قال : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٤٤] ، (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ) ، يقول : إنهم سينادون ، لا أنه عزوجل خلقهم للنار في هذه الدنيا ، وهو سبحانه يقول : خلاف ذلك في كتابه ، قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، لم يخلق جميع خلقه إلا لعبادته ، ولذلك ركب فيهم العقول وأرسل إليهم الرسول وأنزل عليهم الكتب ؛ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم : ٣١] ، وقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ، في الكرامة.
والوجه الثاني من كتاب الله : قوله سبحانه : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) ، يقول : فرضنا عليهم : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] ، إلى آخر الآية.
والوجه الثالث : قوله عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) [الزمر : ٢] ، يعني القرآن.
والوجه الرابع : قوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ١٢] ، يقول : أوجب على نفسه الرحمة ، أنهم إذا تابوا رحمهم ، وأوجب لهم على نفسه الرحمة ، فالكاتب والمكتوب