(هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] ، وقال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] ، يقول : من الجاهلين لعاقبة أمري.
وداود عليهالسلام عند ما نظر إلى امرأة أوريا فأعجبته ، ثم كان يذكرها في نفسه دائما ويقول : لو دريت أن هذه المرأة على هذه الصفة لتزوجتها قبل أن يتزوجها أوريا ، فلما أن بعث الله إليه الملكين اللذين تخاصما إليه وحكم داود بينهما بالحق علم أنه مخطئ في ذلك ، فتاب إلى ربه فتاب الله عليه.
وكذلك سليمان ، ويونس ، وأيوب وجميع الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، ما كانت خطاياهم وعصيانهم إلا على وجه الزلل والنسيان ، فاعلم ذلك ، ولا تنسب إليهم ما لا يليق بهم ؛ لأنهم بررة أتقياء أصفياء صلوات الله عليهم.
تفسير الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه :
تفسير (الكتاب) في القرآن على وجوه شتى :
فوجه منها : علم ، كما قال الله تبارك وتعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر : ١١] ، يقول : في علم الله ، ويقول : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد : ٢٢] ، يقول : في علم الله من قبل أن يخلق الأنفس ، ويقول : (كَتَبَ اللهُ) ، يقول : علم الله ، (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، وقال : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩] ، يقول : في علم مبين ، وقال : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢] ، يقول : في علم الله ، وقال : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩] ، يعني : علمه عزوجل.
وقال : (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] ، يقول : علم. فالكتاب هاهنا كتاب علم ؛ لأن الله تبارك وتعالى قد علم أنه سيختارون البراز إلى مضاجعهم ، فإذا برزوا اختيارا من أنفسهم للبراز قتلوا وقتلوا ، فالبراز فعل من البارز ، والقتل فعل من القاتل المعتدي ، وليس العلم الذي جبرهما على البراز والقتل ، والبراز والقتل فعل من البارز والقاتل ، وعلم الله محيط بهما كما قال عزوجل : (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ