أن الله لم يرد بذلك إذ قاله أنه طبع (على قلوبهم [طبعا] لا يقدرون على الفهم معه ، ولا أنه ختم على سمعهم ختما لا يقدرون على) (٢٩٢) السمع والاستماع ، وعلى البصر فلا يقدرون على الإبصار والانطباع ، وذلك فأبين الأمر ولا ينكره من عقل. ألم تر وتسمع أن الجاهلية كانوا أرصن عقولا ، وأعظم أحلاما ، وأكثر أفهاما من أهل هذا الدهر؟ ولذلك قالت قريش للرسول فيما كان يعيب من آلهتهم ويبين لهم في ذلك من جهالتهم ، فكانوا يقولون لعمه أبي طالب ، ومن قام معه دون رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته وقرابته : عاب آلهتنا ، وسخف عقولنا ، وأطاش أحلامنا ؛ فكانوا ذوي أحلام وعقول جمة ، وأفهام ، فكيف يكون من طبع على قلبه على ما قد يسمعون عنه من فهمه؟ وكذلك كانوا يستمعون إلى الرسول إذا قرأ القرآن ، ويقولون في قراءته كل قول ، ويدبرون فيه التدبير ، ويسطرون فيما جاء به الأساطير. من ذلك ما كان يقول ويتبعونه عليه من القول منهم الوليد بن المغيرة اللعين ، وكانوا له على كفره تابعين ، حين تلا عليهم قول رب العالمين ، فقال ما حكى الله عنه في سورة (نون) حين يقول : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٠ ـ ١٥]. كذلك كان يقول الوليد الملعون : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) ، ويقولون : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ، كما حكى الله في الكتاب المكنون ، وقال فيهم ربهم ، وذكر عنهم ومنهم ، فقال سبحانه : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) [الدخان : ١٣] ، ويسمعهم ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحاججهم به ، ويقرأ القرآن عليهم ، ويأمره الله سبحانه بذلك فيهم ، فيقول : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٢١٤] ، وقال جل جلاله ، وصدق في كل قول مقاله : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل : ١٠] ، وقال : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه : ١٣٠].
__________________
(٢٩٢) ساقط من (ب).