الأجناس ، وذلك كقلب العصا حية ، وحنين الجذع (١) ، وإحياء الموتى الذين رمّوا وصاروا عظاما ، والبقاء في النار ساعات لا تؤذيه (٢) ، وما أشبه ذلك.
وكذلك الأعراض التي لا تزول إلا بفساد حاملها كالغطس والرزق ونحو ذلك. فهذا لا يقدر عليه أحد دون الله تعالى بوجه من الوجوه.
وأما إحالة الأعراض من الغيرات التي تزول بغير فساد حاملها فقد تكون بالسحر. ومنه طلسمات (٣) كتنفير بعض الحيوان عن مكان ما فلا يقرب أصلا ، وكإبعاد البرد ببعض الصناعات ، وما أشبه هذا ، وقد يزيد الأمر ويفشو العلم ببعض هذا النوع حتى يحسنه أكثر الناس كالطب والأصباغ وما أشبه هذا.
وأمّا التخييل بنوع من الخديعة كسكين مثقوبة النصاب تدخل فيها السكين ويظن من رآها أنها دخلت في جسد المضروب بها ، في حيل غير هذه من حيل أرباب العجائب كالحلاج (٤) وأشباهه فأمر يقدر عليه من تعلمه ، وتعلمه ممكن لكل من أراده. فالذي يأتي به الأنبياء عليهمالسلام هو إحالة الذاتيات ، ومن ذلك صرف الحواس عن طبائعها كمن أراك ما لا يراه غيرك ، أو مسح يده على مريض فأفاق ، أو سقاه ما يضر علته فبرئ ، أو أخبر عن الغيوب في الجزئيات عن غير تعديل ولا فكرة ، فهذه كلها إحالة الذاتيات وما ثبت ، إذ ثباتها لا يكون إلّا لنبي.
__________________
(١) عن عبد الله بن عمر قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب إلى جذع ، فلما اتّخذ المنبر تحوّل إليه ، فحنّ الجذع ، فأتاه فمسح يده عليه». وفي الباب عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وأبيّ بن كعب. روى هذه الأحاديث البخاري في المناقب باب ٢٥ ، والترمذي في الجمعة باب ١٠ والمناقب باب ٦ ، والنسائي في الجمعة باب ١٧ ، وابن ماجة في الإقامة باب ١٩٩ ، والدارمي في المقدمة باب ٦ ، والصلاة باب ٢٠٢ ، وأحمد في المسند (١ / ٢٤٩ ، ٢٦٧ ، ٣١٥ ، ٣٦٣ ، ٣ / ٢٢٦ ، ٢٩٣ ، ٢٩٥ ، ٣٠٦ ، ٣٢٤ ، ٥ / ١٣٩).
(٢) وهي معجزة إبراهيم عليهالسلام حين ألقي في النار ، فقال عزوجل : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩].
(٣) جمع طلسم وطلّسم (بتخفيف اللام وتشديدها) : وهي في علم السحر خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى.
وهو لفظ يوناني لكل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي. والشائع على الألسنة «طلسم» كجعفر. انظر المعجم الوسيط (ص ٥٦٢).
(٤) هو الحسين بن منصور الحلّاج الفارسي البيضاوي البغدادي. صوفي متكلم. قتل ببغداد لستّ بقين من ذي القعدة سنة ٣٥٩ ه (٩٢٢ م). من تصانيفه الكثيرة : كتاب الطواسين ، حمل النور والحياة والأرواح ، خلق الإنسان والبيان ، السياسة والخلفاء والأمراء ، والأصول والفروع (معجم المؤلفين : ٤ / ٦٣ ، ٦٤).