العملي ، ولطرف ما من القسم العلمي. والحكماء تعرضوا لأمداد عقلية تقريرا للقسم العلمي، ولطرف ما من القسم العملي. فغاية الحكيم هو أن يتجلى لعقله كل الكون ويتشبه بالإله الحق تعالى وتقدس بغاية الإمكان وغاية النبي أن يتجلى له نظام الكون ، فيقدر على ذلك مصالح العامة حتى يبقى نظام العالم وتنتظم مصالح العباد ؛ وذلك لا يتأتى إلا بترغيب وترهيب ، وتشكيل وتخييل.
فكل ما ورد به أصحاب الشرائع والملل مقدر على ما ذكرناه عند الفلاسفة إلا من أخذ علمه من مشكاة النبوة ؛ فإنه ربما بلغ إلى حد التعظيم لهم ، وحسن الاعتقاد في كمال درجتهم (١).
* * *
فمن الفلاسفة :
حكماء الهند من البراهمة لا يقولون بالنبوات أصلا.
ومنهم : حكماء العرب وهم شرذمة قليلون ، لأن أكثر حكمهم فلتات الطبع ، وخطرات الفكر ، وربما قالوا بالنبوات.
ومنهم حكماء الروم ، وهم منقسمون إلى القدماء الذين هم أساطين الحكمة ، وإلى المتأخرين وهم المشاءون (٢) ...
__________________
(١) بذلك يكشف الشهرستاني الصلة بين الدين والفلسفة ، وما من تشابه بين غاية الذين وغاية الفلسفة ، فكلاهما يرمي إلى تحقيق السعادة عن طريق الاعتقاد الحق وعمل الخير ، وقد أشار الفارابي في كتابه «تحصيل السعادة» إلى تقارب موضوعات الفلسفة لموضوعات الدين. وإنها تكاد تكون واحدة فقال : «الملة محاكية للفلسفة عندهم ، وهما تشتملان على موضوعات بأعيانها ، وكلاهما تعطي المبادي القصوى للموجودات ، فإنهما يعطيان علم المبدأ الأول والسبب الأول للموجودات ، وتعطيان الغاية القصوى التي لأجلها كون الإنسان وهي السعادة القصوى والغاية القصوى في كل واحد من الموجودات الأخر ، وكل ما تعطي الفلسفة فيه البراهين اليقينية فإن الملة تعطي فيه الإقناعات. والفلسفة تتقدم بالزمان الملة».
(٢) المشاءون : هم أتباع أرسطوطاليس لما عاد إلى أثينا في أواخر سنة ٣٣٥ ق. م. واستقر بها وفتح مدرسة بالقرب من معبد أبو لون اللوقيوني ، ومن هنا سميت هذه المدرسة باسم «اللوقيون». وكان من عادته أن يلقي الدروس على تلامذته وهو يتمشى وهم يسيرون حوله فلقب هو وأتباعه «بالمشائين» وراحت هذه المدرسة تنافس أكاديمية أفلاطون التي صار على رأسها آنذاك زميله القديم أكسينوقراط وظل أرسطو يدرس في مدرسته هذه مدة اثنتي عشرة سنة ، ويقوم بالأبحاث الفلكية والتشريحية والجوية والبيولوجية. (انظر موسوعة الفلسفة ١ : ٩٩ وتاريخ الفلسفة اليونانية ص ١١٣).