ومنهاجه ، ويضيء على البرية مدى الدهر سراجه. والعلم بالتوارث ، وليست النبوة بالتوارث، والشريعة تركة الأنبياء ، والعلماء ورثة الأنبياء (١).
قالت الصابئة :
الناس متماثلة في حقيقة الإنسانية والبشرية ، ويشملهم حد واحد ، وهو الحيوان الناطق المائت. والنفوس والعقول متساوية في الجوهرية ؛ فحد النفس بالمعنى الذي يشترك فيه الإنسان والحيوان والنبات أنه كمال جسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة. وبالمعنى الذي يشترك فيه الإنسان والملك أنه جوهر غير جسم ، هو كمال الجسم ، محرك له بالاختيار عن مبدأ نطقي ، أي عقلي ، بالفعل أو بالقوة. فالذي بالفعل هو خاصة النفس الملكية. والذي بالقوة هو فضل النفس الإنسانية.
وأما العقل (٢) فقوة أو هيئة لهذه النفس ، مستعدة لقبول ماهيات الأشياء مجردة عن المواد والناس في ذلك على استواء من القدم. وإنما الاختلاف يرجع إلى أحد أمرين.
__________________
(١) وهذا من حديث مطول ، عن أبي الدرداء أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر من في السموات ومن في الأرض. وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. وشاهد وراثة العلماء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة فاطر : الآية ٣٢ : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا).
(٢) والعقل الذي يذكره أرسطو في كتاب البرهان فإنه إنما يعني به قوة النفس التي بها يحصل للإنسان اليقين ، لا عن قياس ولا عن فكر ، بل بالفطرة والطبع.
وأما العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق ، فإنه يريد به جزء النفس.
وأما العقل الذي يذكره في كتاب «النفس» فإنه جعله على أربعة أنحاء : عقل بالقوة ، وعقل بالفعل ، وعقل مستفاد ، وعقل فعال.
وأما العقل الفعال الذي ذكره في «المقالة الثالثة» من «كتاب النفس» هو صورة مفارقة لم تكن في مادة ولا تكون أصلا وهو بنوع ما عقل بالفعل قريب الشبه من العقل المستفاد ، بل هو نوع من العقل المستفاد وصور الموجودات هي فيه لم تزل ولا تزال ، إلا أن وجودها فيه على غير الترتيب الذي هي موجودة عليه في العقل الذي هو بالفعل. (من مقالة للفارابي في العقل).