ثمّ جاء من الغد
فقال : دعني من الصّحراء ، فإن أهلها جاهليّة ، وقد ألفوا ما نشئوا عليه.
وكان من طلبة
الفقيه رجل اسمه عبد الله بن ياسين الجزوليّ ، فقال : أيّها الشّيخ ، أرسلني معه ، والله المعين.
فأرسله معه ، وكان
عالما قويّ النّفس ، ذا رأي وتدبير ، فأتيا قبيلة لمتونة ، وهي على ربوة من الأرض
، فنزل الجوهر ، وأخذ بزمام الجمل الّذي عليه عبد الله بن ياسين تعظيما له ،
فأقبلت المشيخة يهنّون الجوهر بالسّلامة وقالوا :من هذا؟ قال : هذا حامل سنّة
الرسول عليهالسلام.
فرحّبوا به
وأنزلوه ، ثمّ اجتمعوا له ، وفيهم أبو بكر بن عمر ، فقصّ عليهم عبد الله عقائد
الإسلام وقواعده ، وأوضح لهم حتّى فهم ذلك أكثرهم ، فقالوا : أمّا الصّلاة
والزّكاة فقريب ، وأمّا قولك من قتل يقتل ، ومن سرق يقطع ، ومن زنا يجلد ، فلا
نلتزمه ، فاذهب إلى غيرنا.
فرحل ، وأخذ
بزمامه الجوهر ، وفي تلك الصّحراء قبائل منهم وهم ينتسبون إلى حمير ،
ويذكرون أنّ أسلافهم خرجوا من اليمن في الجيش الّذي جهّزه الصّدّيق إلى الشّام ،
ثمّ انتقلوا إلى مصر ، ثمّ توجّهوا إلى المغرب مع موسى بن نضير ، ثمّ توجّهوا مع
طارق إلى طنجة ، فأحبّوا الانفراد فدخلوا الصّحراء ، وهم لمتونة ، وجدالة ، ولمطة ، وايتنصر ، واينواي ،
وسوفة ، وأفخاذ عدّة ، فانتهى الجوهر وعبد الله إلى جدالة ، قبيلة الجوهر ، فتكلّم
عليهم عبد الله ، فمنهم من أطاع ، ومنهم من عصى ، فقال عبد الله للّذين أطاعوا :
قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الّذين أنكروا دين الإسلام ، وقد استعدّوا لقتالكم
وتحزّبوا عليكم ، فأقيموا لكم راية وأميرا.
فقال له الجوهر :
أنت الأمير.