إحداها لساغَ جَحْدُ نزولِ الأخْرَى فإن قال قائل ما تنكر أن تكون أحداهما مُنْزَلة والأخرى معتبرةً استحسنها المسلمون وقَرُؤوا بها إذ كانت لا تَخْرُج عن معنى المُنْزلة قيل له لا يجوز ذلك من قِبَل أنه أُخِذَ على الناس أن يُؤَدُّوا لفظَ القرآنِ وما أُخذَ عليهم أن يُؤدُّوا معناه ولم يُسَوِّغُوا القراءة على المعنى يَدُلُّك على ذلك أنه لو ساغ أن يُقْرأ على المعنى لَسلخ أن يُقْرأ ذُو المِلْكة يومَ الدِّين وذُو الملكوتِ يَوْمَ الدينِ وذُو مِلْكِ يوم الدين فلما كان معلوما أن ذلك لا يَسُوغُ ولا يجوز عند المسلمين صح أنه لا يجوز ما كان مثلَه ونظيَره وقرأ مَالكِ بألفٍ عاصمٌ والكسائيُّ وقرأ باقي السبعةِ بغير ألف قال والاختيار مَلكِ لأنه أمدح والمالكُ هو القادِرُ على ماله أن يُصَرِّفه وإذا قيل للصبي أو العاجز فإنما هو مالك لأنه بمنزلة القادر الذي له أن يصرف الشيء وإذا قيل في الوكيل أنه لا يملك الشيء الذي له أن ينصرف فيه فلأنهم لم يعتدوا بتلك الحال لأنها بمنزلة العارية والمَلِكُ القادُر الواسعُ المقدورِ الذي له السِّياسة والتدبير. قال : فما حكاه أبو بكر محمدُ بنُ السَّرِي عن بعض من اختار القراءةَ مَلِكِ من أن الله سبحانه قد وَصَفَ نفسَه بأنه مالكُ كُلِّ شيء بقوله رب العالمين فلا فائدةً في تكرير ما قد مَضَى فإنه لا يرجح قراءةَ مَلِك على مالك لأن في التنزيل أشياءَ على هذه الصورة قد تَقَدَّمها العامُّ وذُكِرَ بعد العامِّ الخاصُّ كقوله عز وجل : " اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذَّي خَلَقَ " فالذي وَصْفٌ للمضاف إليه دون الأول المضاف لأنه كقوله : " هُوَ اللهُ الخالِقُ البارِئُ " ثم خَصَّ ذِكْرَ الانسانِ تنبيها على تَأَمُّلِ ما فيه من إتقان الصنعة ووُجُوهِ الحكمة كما قال : " وفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ " وقال " خَلَقَ الانْسانَ منْ عَلَقٍ " وكقوله : " وبِالأخشة هُمْ يُوقِنوُنَ " بعد قوله " الذَّينَ يُؤْمِنونَ بالغَيْبِ " والغيبُ يَعُمُّ الآخرةَ وغيرَهما فَخَصُّوا بالمدح بِعلَّمِ ذلك والتَّيَقُّنِ تَفْضِيلاً لهم على الكفار المنكرين لها في قوله : لا تَأْتِينا السَّاعةُ قُلْ بَلَى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُم " وكقوله تعالى : " ما نَدْري ما الساعةُ إنْ نَظْنُّ الاظَنَّاً وما نحنُ بُمْسَتْيِقِنينَ " وكقوله تعالى : " وقالوا ما هِي إلاَّ حَياتُنا الدُّنيا " وكذلك قوله تعالى وعز وجل : " بسم الله الرحمن الرحيم " الرحمنُ أبلغُ من الرحيم بدلالة أنه لا يوصف به إلا الله تعالى ذكره وذكر الرحيم بعده لتخصيص المسلمين به في