وهكذا كان حال الناس في الجاهلية فإنّهم اتّفقوا على عبادة اللّات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، وغيرها من الأصنام المصنوعة من الأحجار التي لا تدفع ضرّا ، ولا تجلب لهم نفعا ، وكذلك حال من تقدم في العصور الأولى من طاعتهم للأوثان البشرية ، وتركهم الطاعة لله الذي خلقهم ، ورزقهم ، وأراهم من أنفسهم ، وغير أنفسهم ، البراهين والآيات ، وقتلهم الأنبياء (ع) ، لأنّهم (ع) كانوا يدعونهم إلى عبادة الله تعالى وطاعته وحده ، كما أخبر الله تعالى عنهم في القرآن ولم يكن ذلك كلّه لكثرة مال ، أو شرف نسب ، أو علو حسب ، أو عزّة عشيرة.
ألم تر أنّ الكثير من العرب تابع مسيلمة الكذاب ، الناقص ، العاجز ، والأحمق الجاهل ، بين طبقات الناس ، وأعرضوا عن رسول الله (ص) مع اشتهار فضله ، وصدقه ، وحجته ، ونوره ، وبرهانه ، ووفور عقله وأمانته ، وشرف أصله ، وكرم فرعه ، بينهم حتى كان يدعى فيهم (الصادق الأمين)؟!! ولم يكن مسيلمة أكثر القوم مالا ، ولا أشرفهم نسبا ، ولا أعزهم عشيرة ، ولا أكرمهم حسبا ، بل كان على العكس من هذه الصفات كلها. وليس هذا بجديد في أحوال البشر كيف وقد ظهر من انقياد أكثر الناس للأراذل ، والانصراف عن الأفاضل ، منذ خلق الله تعالى هذه البسيطة ، ما لا يمكن لأحد دفعه ، أو الارتياب فيه ، ولم يكن ذلك لشرفهم ، ولا لكثرة مالهم ، ولا لعزة عشيرتهم ، وإنما كان بالمكر ، والخداع ، والغدر ، والحيلة ، حتى قادت النساء الرجال ، وتأمّر الصبيان على العقلاء ، وتملك العبيد الأحرار ، وتقدم الجهال على العلماء ، وكل هذا موجود في سائر العصور والأزمان ، بمختلف الأدوار إلى زماننا هذا.
ألم تر أنّ أكثر الناس في عصور الأنبياء (ع) منقادين إلى المجرمين والسفاحين حتى صار ذلك سببا لضلال من جاء بعدهم من أممهم ،