فلفظه ليس بأشد تصريحا من هذه الألفاظ التى أولتموها. فلعل أمر آخر أشد بطونا من الباطن الّذي ذكرتموه ؛ ولكنه جاوز الظاهر بدرجة فزعم أن المراد بالجبال : الرجال ـ فما المراد بالرجال؟ لعل المراد به أمر آخر. والمراد بالشياطين أهل الظاهر فما أهل الظاهر؟ والمراد باللبن العلم ـ فما معنى العلم؟ فإن قلت : العلم والرجال وأهل الظاهر صريحة فى مقتضياتها بوضع اللغة إن كنت ناظرا بالعين العوراء إلى أحد الجانبين ، فأنت المراد إذا بالدجال فإنه أعور لأنك أبصرت بإحدى العينين فإن الرجال ظاهر ؛ وعميت بالعين الأخرى الناظرة إلى الجبال وإنها أيضا ظاهر. فإن قلت : يمكن أن يكنى بالجبال عن الرجال ـ قلنا : ويمكن أن يكنى بالرجال عن غيرهم كما عبر الشاعر بالرجلين اللذين أحدهما خياط والآخر نساج عن أمور فلكية وأسباب علوية ، فقال :
رجلان : خياط وآخر حائك |
|
متقابلان على السّماك الأعزل |
لا زال ينسج ذاك خرقة مدبر |
|
ويخيط صاحبه ثياب المقبل |
وهكذا فى كل فن ؛ وإذا نزل تسبيح الجبال على تسبيح الرجال فلينزل معنى الرجال فى قوله تعالى (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧] على الجبال فإن المناسبة قائمة من الجانبين ؛ ثم إذا نزل الجبال على الرجال ونزل الرجال أيضا على غيره أمكن تنزيل ذلك الباطن الثالث على رابع وتسلسل إلى حد يبطل التفاهم والتفهيم ، ولا يمكن التحكم بأن الحائز الرتبة الثانية دون الثالثة أو الثالثة دون الرابعة.
(المسلك الثانى) معارضة الفاسد بالفاسد ، وهو أن يتناول جميع الأخبار على نقيض مذهبهم ، مثلا يقال : قوله (١) : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة» ، أى لا
__________________
(١) قوله : صلىاللهعليهوسلم : رواه أحمد والترمذي وابن حبان وصيغته المشهورة : «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو صورة».