مطمئن بالإيمان ، فلا يؤاخذ به .. والمعنى : إنّما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ، واستثنى منه المُكرَه ، فلم يدخل تحت حكم الافتراء» (١).
وقال أبو حيان محمّد بن يوسف الأندلسي المالكي (ت / ٧٥٤ ه) : «استثنى من الكافرين من كفر باللفظ وقلبه مطمئن بالإيمان ، ورخّص له في النطق بكلمة الكفر ، إذ كان قلبه مؤمناً ، وذلك مع الإكراه. والمعنى : إلا من اكره على الكفر ، تلفّظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان» (٢).
وقال في مكان آخر من تفسير الآية : «وفي قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) دليل على أن من فعل المُكرَه لا يترتّب عليه شيء. وإذا كان قد سومح لكلمة الكفر ، أو فعل ما يؤدّي إليه ، فالمسامحة بغيره من المعاصي أولى.
وقد تكلّموا في كيفية الإكراه المبيح لذلك ، وفي تفصيل الأشياء التي يقع الإكراه فيها ، وذلك كلّه مذكور في كتب الفقه. والمكرهون على الكفر ، المعذّبون على الإسلام : خباب ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، وأبواه : ياسر وسمية ، وسالم ، وجبر عُذِّبوا فأجابهم عمار وجبر (مولى الحضرمي) فخلّي سبيلهما ، وتمادى الباقون على الإسلام ، فقتل ياسر وسمية ، وهما أول قتيل في الإسلام» (٣).
وقد مرّ ، وسيأتي أيضاً أن هؤلاء الصحابة كلّهم قد أجابوا المشركين إلى ما انتدبوهم إليه إلا ما كان من بلال ، وليس الأمر كما قاله أبو حيان ، على أنَ
__________________
(١) الدرّ اللقيط من البحر المحيط / تاج الدين الحنفي ٥٣٧ : ٥ ٥٣٨ ، مطبوع بحاشية تفسير أبي حيان الأندلسي المسمّى ب : (البحر المحيط).
(٢) تفسير البحر المحيط / أبو حيان ٥٣٨ : ٥.
(٣) تفسير البحر المحيط ٥٤٠ : ٥.