ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي (صلىاللهعليهوسلم) بالخير موسوما (١) إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق ، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة ، سيما المهاجرين منهم والأنصار ، والمبشرين بالثواب في دار القرار. وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (صلىاللهعليهوسلم) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ، ويبكي له من في الأرض والسماء ، وتنهد منه الجبال ، وتنشق الصخور ، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور ، فلعنة الله على من باشر ، أو رضي ، أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد (٢) مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد.
قلنا : تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ، كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد وبحيث لا تزل الأقدام عن السواء ، ولا تضل الأفهام بالأهواء. وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟ وكيف لا يقع عليهما الاتفاق؟ وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال ، وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل ، مع علمهم بحقيقة الحال وجلية المقال. وقد انكشف لنا ذلك حين اضطربت الأحوال واشرأبت الأهوال ،
__________________
(١) الحق يقال : أنه يجب على المسلمين عدم الخوض في هذه المسائل وتركها إلى الله تعالى وخصوصا بعد ما قال الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وأحاديث أخرى كثيرة ، فالواجب على المسلمين أن يتركوا هذه المرحلة وأصحابها ويقولوا بقول الله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ). سورة البقرة آية رقم ١٤١.
(٢) هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ثاني ملوك الدولة الأموية في الشام ولد بالماطرون عام ٢٥ ه ونشأ بدمشق ، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٠ ه وأبى البيعة له عبد الله بن الزبير ، والحسين ابن علي فانصرف الأول إلى مكة ، والثاني إلى الكوفة ، وفي زمنه فتح المغرب الأقصى على يد الأمير عقبة بن نافع ، وفتح سلم بن زياد بخارى وخوارزم توفي عام ٦٤ ه راجع الطبري حوادث ٦٤ وتاريخ الخميس ٢ : ٣٠٠ ومنهاج السنة ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٥٤ وابن الأثير ٤ : ٤٩.