الأول : أن فصحاء العرب إنما كانوا يتعجبون من حسن نظمه وبلاغته وسلاسته في جزالته ، ويرقصون رءوسهم عند سماع قوله تعالى :
(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ..) (١) الآية.
لذلك ، لا لعدم تأتي المعارضة مع سهولتها في نفسها.
الثاني : أنه لو قصد الإعجاز بالصرفة لكان الأنسب ترك الاعتناء ببلاغته وعلو طبقته ، لأن كلما كان أنزل في البلاغة وأدخل في الركاكة ، كان عدم تيسر المعارضة أبلغ في خرق العادة.
الثالث : قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٢).
فإن ذكر الاجتماع والاستظهار بالغير في مقام التحدي إنما يحسن فيما لا يكون مقدورا للبعض ، ويتوهم كونه مقدورا للكل ، فيقصد نفي ذلك ..
فإن قيل : لو كان القصد إلى الإعجاز بالبلاغة لكان ينبغي أن يؤتى بالكل في أعلى الطبقات لكونه أبلغ في خرق العادة ، والمذهب أن الله تعالى قادر على أن يأتي بما هو أفصح مما أتى به وأبلغ ، وأن بعض الآيات في باب البلاغة أعلى وأرفع كقوله تعالى :
(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ..) (٣) الآية.
بالنسبة إلى سورة الكافرين مثلا. (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٤)
قلنا : هذا أوفى بالغرض ، وأوضح في المقصود. بمنزلة صانع يبرز من مصنوعاته ما ليس غاية مقدوره ونهاية ميسوره ، ثم يدعو جماهير الحذاق في الصناعة إلى ان يأتوا بما يوازي أو يداني دون ما ألقاه ، وأهون ما أبداه.
__________________
(١) سورة هود آية رقم ٤٤
(٢) سورة الإسراء آية رقم ٨٨
(٣) سورة هود آية رقم ٤٤
(٤) سورة الكافرون آية رقم ١