قلنا : لو سلم ، فيجوز أن يكون بعض المحظورات علامة التكذيب دون البعض ، وذلك إلى الشارع وكذا بعض التأويلات في الأصول).
وهذا معنى عدم تصديق النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) في شيء مما علم مجيئه به على ما ذكره الإمام الغزالي (١) لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب ، واعتبر الإمام الرازي بأن من جملة ما جاء به النبي أن تصديقه واجب في كل ما جاء به. فمن لم يصدقه فقد كذبه في ذلك ضعيف ، لظهور المنع.
فإن قيل : من استخف بالشرع أو الشارع. أو ألقى المصحف في القاذورات ، أو شد الزنار بالاختيار كافر إجماعا ، وإن كان مصدقا للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) في جميع ما جاء به ، وحينئذ يبطل عكس التعريفين. وإن جعلت ترك المأمور به أو ارتكاب المنهى عنه علامة التكذيب وعدم التصديق ، بطل طردهما بغير الكفرة من الفساق.
قلنا : لو سلم اجتماع التصديق المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقا ، فيجوز أن يجعل الشارع بعض محظورات الشرع علامة التكذيب ، فيحكم بكفر من ارتكبه ، وبوجود التكذيب فيه ، وانتفاء التصديق عنه كالاستخفاف بالشرع. وشد الزنار ، وبعضها. لا كالزنا وشرب الخمر ، ويتفاوت ذلك إلى متفق عليه ، ومختلف فيه ، ومنصوص عليه ومستنبط من الدليل ، وتفاصيله في كتب الفروع. وبهذا يندفع إشكال آخر ، وهو أن صاحب التأويل في الأصول إما أن يجعل من المكذبين ، فيلزم تكفير كثير من الفرق الإسلامية كأهل البدع والأهواء. بل المختلفين من أهل الحق. وإما أن لا يجعل ، فيلزم عدم تكفير المنكرين لحشر الأجساد ، وحدوث العالم وعلم الباري بالجزئيات (٢) فإن تأويلاتهم ليست بأبعد من تأويلات أهل الحق للنصوص الظاهرة في خلاف مذهبهم وذلك لأن من النصوص
__________________
(١) سبق الترجمة له في كلمة وافية. وراجع وفيات الأعيان ١ : ٤٦٣ ، وطبقات الشافعية ٤ : ١٠١ وشذرات الذهب ٤ : ١٠
(٢) ينكر بعض الفلاسفة علم الله بالجزئيات وهذه كبيرة من الكبائر ، وخصوصا إذا صدرت ممن يدين بالإسلام ، وكيف يستقيم ذلك والله تعالى يقول : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).