وقال إمام الحرمين : إذا حملنا الإيمان على التصديق ، فلا يفضل تصديق تصديقا ، كما لا يفضل علم علما. ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا ـ وقد مال إليه القلانسي (١) ـ فلا يبعد إطلاق القول بأنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، ونحن لا نؤثر هذا. لا يقال : الإيمان على تقدير كونه اسما للأعمال أولى بأن لا يحتمل الزيادة والنقصان.
أما أولا فلأنه لا مرتبة فوق الكل ليكون زيادة ، ولا إيمان دونه ليكون نقصانا.
وأما ثانيا ، فلأن أحدا لا يستكمل الإيمان حينئذ ، والزيادة على ما لم يكمل بعد محال. لأنا نقول هذا إنما يرد على من يقول بانتفاء الإيمان بانتفاء شيء من الأعمال أو التروك ، كما هو مذهب المعتزلة ، لا على من يقول ببقائه ما بقي التصديق ، كما هو مذهب السلف ، إلا ان الزيادة والنقصان على هذا تكون في كمال الإيمان ، لا في أصله. ولهذا قال الإمام الرازي : وجه التوفيق أن ما يدل على أن الإيمان لا يتفاوت مصروف الى أصله ، وما يدل على أنه يتفاوت مصروف إلى الكامل منه. ولقائل أن يقول : لا نسلم أن التصديق لا يتفاوت ، بل يتفاوت قوة وضعفا ، كما في التصديق بطلوع الشمس ، والتصديق بحدوث العالم ، لأنه إما نفس الاعتقاد القابل للتفاوت أو مبني عليه ، وقلة وكثرة ، كما في التصديق الإجمالي والتفصيلي الملاحظ لبعض التفاصيل وأكثر وأكثر ، فإن ذلك من الإيمان لكونه تصديقا بما جاء به النبي (صلىاللهعليهوسلم) إجمالا فيما علم إجمالا ، وتفصيلا فيما علم تفصيلا ، لا يقال : الواجب تصديق يبلغ حد اليقين ، وهو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصور إلا باحتمال النقيض ، لأنا نقول : اليقين من باب العلم والمعرفة ، وقد سبق أنه غير التصديق ، ولو سلم أنه التصديق ، وأن المراد به ما يبلغ حد الإذعان والقبول ، ويصدق عليه المعنى المسمى «بگرويدن» ليكون تصديقا قطعيا ، فلا نسلم أنه لا يقبل التفاوت ، بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات ، وكون
__________________
(١) هو محمد بن الحسين بن بندار أبو العز القلانسي الواسطي مقرئ العراق في عصره مولده ووفاته بواسط من كتبه إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر ، ورسالة في القراءات الثلاث والكفاية الكبرى في القراءات ، أكبر من الأول توفي عام ٥٢١ ه راجع : غاية النهاية ٢ : ١٢٨ والوافي بالوفيات ٣ : ٣ والإعلام وطبقات السبكي ٣ : ٥٦.