فإن قيل : فيلزم جواز ذلك للعبد أيضا.
أجيب : بالتزامه أو بالفرق ، فإن الله عالم بالتمكن من التعويض بخلاف العبد ، وأما الإيلام بدون الرضا لمنفعة الغير على ما يراه الضميري في إيلام زيد لاعتبار عمرو ، وجمهور المعتزلة في ذبح الحيوانات واستعمالها لمنافع العباد ، فلا يعقل حسنه ، ومنها أنهم ذهبوا إلى أن آلام غير العاقل من الصبيان والمجانين والبهائم حسنة لالتزام أعواض يزيد عليها ، ثم اضطربوا في أنها تكون في الدنيا ، أم في الآخرة. وفي أن البهائم هل تدخل الجنة؟ ويخلق فيها العقل والعلم ، وأن ذلك عوض أم لا؟ وفي أن عاقبة أمرها ما ذا؟ وفي بعض التفاسير أن قول الكافر (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (١) يكون حين يوصل الله تعالى إلى البهائم أعواضها ، ثم يجعلها ترابا.
وأما أعواض الكفار ، والفساق فقيل في الدنيا ، وقيل في النار بتخفيف العذاب.
قال (الثالث الجزاء وسيأتي)
وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وسيأتي في مقصد السمعيات على التفصيل.
قال (الرابع الاحترام)
إذا علم من المعصوم أو التائب أنه يكفر أو يفسق لو بقي لما في تركه من تفويت الغرض ، وجمهورهم على أنه لا يجب لأن التفويت إنما هو بفعل العبد. ذهب بعض المعتزلة إلى أن الباري تعالى إذا علم من المؤمن المعصوم أو التائب أنه إن أبقاه حيّا يكفر أو يفسق يجب اخترامه لأن في تركه تفويتا للغرض بعد حصوله وهو قبيح. والأكثرون على أنه لا يجب ، لأن تفويت الغرض ، إنما هو بفعل العبد ، وهو المعصية لا بالتبقية ، ولأنه لم يخترم من كفر بعد الإيمان ، وعصى بعد الطاعة ، ولم يخترم إبليس مع ما روي أنه عبد الله تعالى عشرين ألف سنة ثم كفر.
والقول بأن ذلك كان مع النفاق بعيد جدا ، والاستدلال بقوله تعالى (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٢) ضعيف لقول المفسرين إنه بمعنى صار أو كان من جنس كفرة الجن
__________________
(١) سورة النبأ آية رقم ٤٠
(٢) هذا جزء من آية من سورة البقرة ٣٤ (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ).