قطعا وما ذاك إلا
لأن حسنه ذاتي ضروري عقلي ، وكذلك إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصور للمنقذ
نفع وغرض ولو مدحا وثناء.
والجواب : أن
إيثار الصدق لما تقرر في النفوس من كونه الملائم لغرض العامة ومصلحة العالم
والاستواء المفروض إنما هو في تحصيل غرض ذلك الشخص ، واندفاع حاجته لا على
الإطلاق. كيف والصدق ممدوح ، والكذب مذموم عند العقلاء. وعلى مذهبكم عند الله أيضا
بحكم العقل. ولو فرضنا الاستواء من كل وجه ، فلا نسلم إيثار الصدق قطعا ، وإنما
القطع بذلك عند الفرض والتقدير ، فيتوهم أنه قطع عند وقوع المقدر المفروض ، وقد
أوضحنا الفرق في فوائد شرح الأصول.
وأما انقاذ الهالك
فلرقة الجنسية المجبولة في الطبيعة ، وكله يتصور مثل تلك الحالة لنفسه ، فيجره استحسان ذلك الفعل من غيره
في حق نفسه إلى استحسانه من نفسه في حق غيره.
وبالجملة لا نسلم أن
إيثار الصدق والإنقاذ عند من لم يعلم استقرار الشرائع على حسنها إنما هو لحسنهما
عند الله على ما هو المتنازع بل لأمر آخر.
الثالث : لو لم يثبت الحسن والقبح إلا بالشرع لم يثبتا أصلا ، لأن العلم بحسن ما أمر
به الشارع أو أخبر عن حسنه ، وبكذب ما نهى عنه أو أخبر عن قبحه يتوقف على أن الكذب
قبيح لا يصدر عنه ، وأن الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به ، وذلك
إما بالعقل والتقدير أنه معزول لا حكم له. وإما بالشرع فيدور.
والجواب : أنّا لا
نجعل الأمر والنهي دليل الحسن والقبح ليرد ما ذكرتم ، بل نجعل الحسن عبارة عن كون
الفعل متعلق الأمر والمدح ، والقبح عن كونه متعلق النهي والذم. قال إمام الحرمين :
ومما يجب التنبيه له أن قولنا لا يدرك الحسن والقبح إلا
__________________