وإلا لم يفد الطلب والجواب لأنهم وإن سمعوا الجواب فهو المخبر بأنه كلام الله تعالى.
والمعتزلة تحيروا (١) في هذا المقام ، فزعموا تارة أنهم كانوا مؤمنين ، لكن لم يعلموا مسألة الرؤية ، وظنوا جوازها عند سماع الكلام. واختار موسى عليهالسلام في الرد عليهم طريق السؤال والجواب من الله ليكون أوثق عندهم وأهدى إلى الحق ، وتارة أنهم لم يكونوا مؤمنين حق الإيمان ، ولا كافرين ، بل مستدلين ، أو فاسقين أو مقلدين. فاقترحوا ما اقترحوا ، وأجيبوا بما أجيبوا ، وأضاف موسى عليهالسلام الرؤية إلى نفسه دونهم لئلا يبقى لهم عذر ، ولا يقولوا لو سألها لنفسه لرآه لعلو قدره عند الله تعالى ، وكل ذلك خبط ، لأن السائلين القائلين : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، لم يكونوا مؤمنين ، ولا حاضرين عند سؤال الرؤية ليسمعوا جواب الله تعالى ، وإنما الحاضرون هم السبعون المختارون ولا يتصور منهم عدم تصديق موسى عليه الصلاة والسلام في الإخبار بامتناع الرؤية ، ولا فائدة للسؤال بحضرتهم على تقدير امتناع الرؤية ، إلا أن يطلعوا فيخبروا السائلين ، ولا شك أنهم إذا لم يقبلوه من موسى مع تأيده بالمعجزات فمن السبعين أولى.
الرابع : أنه سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع كما في طلب ابراهيم عليهالسلام أنه يريه كيفية إحياء الموتى وردّ بأن هذا لا ينبغي أن يكون بطريق طلب المحال الموهم لجهله بما يعرفه آحاد المعتزلة.
الخامس : إن معرفة الله تعالى لا تتوقف على العلم بمسألة الرؤية ، فيجوز أن يكون لاشتغاله (٢) بسائر العلوم والوظائف الشرعية لم تخطر بباله هذه المسألة حين سألوها منه ، فطلب العلم ثم تاب عن تركه طريقة الاستدلال أو خطر بباله ، وكان ناظرا فيها طالبا للحق، فاجترءوا على السؤال ليتبين له جلية (٣) الحال ، وهذا تعبير
__________________
(١) في (ب) تجوزوا بدلا من (تحيروا).
(٢) في (ب) لاشتغلاله بدلا من (اشتغاله).
(٣) في (ب) جيلة بدلا من (جلية).