وما وقع في المواقف من أن الرؤية وإن استعملت للعلم لكنه بعيد جدا (١) إذا وصلت بإلى سهوا ، ومؤول بأن النظر بمعنى الرؤية فوصله وصلها وإلا فليس في الآية وصل الرؤية بإلى.
الثالث : للجاحظ (٢) وأتباعه. أن موسى عليهالسلام إنما سأل الرؤية لأجل قومه حين قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٣) وقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ، حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٤) وأضاف السؤال إلى نفسه (٥) ليمنع فيعلم امتناعها بالنسبة إلى القوم بالطريق الأولى.
ولهذا قال : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (٦) وهذا مع مخالفته الظاهر حيث لم يقل أرهم ينظروا إليك فاسد. أما أولا : فلأن تجويز الرؤية باطل بل كفر عند أكثر المعتزلة ، فلا يجوز لموسى عليه الصلاة والسلام تأخير الرد ، وتقرير الباطل. ألا ترى أنهم لما قالوا (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (٧) ردّ عليهم من ساعته بقوله (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (٨).
وأما ثانيا : فلأنه لم يبين الامتناع لهم بل غايته الإخبار بعدم الوقوع ، وإنما أخذتهم الصاعقة لقصدهم التعنت ، والإلزام على موسى عليهالسلام لا لطلبهم الباطل.
وأما ثالثا : فلأنهم إن كانوا مؤمنين بموسى مصدقين لكلامه ، كفاهم إخباره بامتناع الرؤية من غير طلب للمحال ، ومشاهدة لما جرت من الأحوال والأهوال ،
__________________
(١) راجع كتاب المواقف المرصد الخامس ج ٨ ص ١١٥ وما بعدها.
(٢) هو عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الجاحظ ، رئيس فرقة الجاحظية من المعتزلة مولده عام ١٦٣ ه فلج في آخر عمره ، وكان مشوه الخلقة ، مات والكتاب على صدره عام ٢٥٥ ه قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه ، من تصانيفه الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير ، ومسائل القرآن. راجع الوفيات ١ : ٢٨٨ ولسان الميزان ١ : ٣٥٥ ودائرة المعارف الإسلامية ٦ : ٣٣٥.
(٣) سورة النساء آية رقم ١٥٣.
(٤) سورة البقرة آية رقم ٥٥.
(٥) سقط من ب جملة (وأضاف السؤال إلى نفسه).
(٦) سورة الأعراف آية رقم ١٥٥ وقد جاءت هذه الآية محرفة في الأصل بزيادة (فاء)
(٧) سورة الأعراف آية رقم ١٣٨.
(٨) سورة الأعراف آية رقم ١٣٨.