يعني أن كمال القوة النظرية معرفة أعيان الموجودات ، وأحوالها وأحكامها كما هي(١) ، أي على الوجه الذي هي عليه ، وفي نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ، وتسمى حكمة نظرية ، وكمال القوة العملية ، القيام بالأمور على ما ينبغي. أي على الوجه الذي يرتضيه العقل الصحيح (٢) ، بقدر الطاقة البشرية ، وتسمى حكمة عملية ، وفسروا الحكمة على ما يشمل القسمين ، بأنها خروج النفس من القوة إلى الفعل ، في كمالها الممكن ، علما وعملا ، إلا أنه لما كثر الخلاف ، وفشا (٣) الباطل ، والضلال ، في شأن الكمال ، وفي كون الأشياء كما هي ، والأمور على ما ينبغي ، لزم الاقتداء في ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة ، أنهم على هدى من الله تعالى ، وكانت الحكمة الحقيقية هي الشريعة ، لكن لا بمعنى مجرد الأحكام العملية ، بل بمعنى معرفة النفس ما لها وما عليها ، والعمل بها على ما ذهب إليه أهل التحقيق من أن الحكمة المشار إليها في قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٤) هو الفقه ، وأنه اسم للعلم والعمل جميعا. وقد قسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشياء كما هي إلى النظرية والعملية ، لأنها إن كانت علما بالأمور المتعلقة لقدرتنا واختيارنا فعملية ، وغايتها العمل ، وتحصيل الخير ، وإلا فنظرية ، وغايتها إدراك الحق ، وكل منهما ينقسم بالقسمة الأولية إلى ثلاثة أقسام.
فالنظرية إلى الإلهي ، والرياضي ، والطبيعي ، والعملية إلى علم الأخلاق ،
__________________
(١) سقط من (أ) جملة (كما هي)
(٢) في (ب) السليم بدلا من (الصحيح)
(٣) في (ب) وانتشر بدلا من (وفشا)
(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٦٩ ويرى بعض العلماء أنها ليست النبوة ولكنه العلم والفقه والقرآن ، وقال أبو العالية: الحكمة : خشية الله فإن خشية الله رأس كل حكمة ، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان بن زفر الجهني عن أبي عمار الأسدي عن ابن مسعود مرفوعا (رأس الحكمة مخافة الله) وقال أبو العالية في رواية عنه : الحكمة الكتاب والفهم. وقال إبراهيم النخعي : الحكمة : الفهم ، وقال أبو مالك : الحكمة السنة ، وقال ابن وهب عن مالك. قال زيد بن أسلم الحكمة العقل. قال مالك ، وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة : هو الفقه في دين الله وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. وقال السدى : الحكمة : النبوة. وجاء في بعض الأحاديث : من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحي إليه. رواه وكيع بن الجراح في تفسيره عن إسماعيل بن رافع.