الأزل ضرورة ، أن تأخر البعض ينافي أزليته ، فلو وجد حركة في الأزل لزم اجتماع النقيضين والكل ضعيف].
لبيان امتناع تعاقب الحوادث لا إلى بداية ونهاية وجوه أخرى : منها : أنه لما كان كل حادث مسبوقا بالعدم ، كان الكل كذلك ، فإنه إذا كان كل زنجي أسود ، كان الكل أسود ضرورة ، وردّ بمنع كلية هذا الحكم ، ألا ترى أن كل زنجي فرد ، وبعض من المجموع بخلاف الكل. ومنها أن الحوادث الماضية قابلة للزيادة والنقصان للقطع بأن دورات الفلك من الآن إلى ما لا يتناهى أكثر من دوراتها من يوم الطوفان ودورات الشمس أكثر من دورات زحل (١) ، وعدد الأيام أكثر من عدد الشهور والسنين ، وكل ما يقبل الزيادة والنقصان فهو متناه ، لأن معنى نقصان الشيء من الشيء أن يكون بحيث لا يبقى شيء في مقابلة ما بقي من الزائد ، فيتناهى الناقص ، ويلزم منه تناهي الزائد حيث لم يزد عليه إلا بقدر متناه.
وردّ بعد تسليم المقدمة الأولى بمنع الثانية ، وإنما يصح لو لم تكن الزيادة والنقصان من الجانب المتناهى ، ولا معنى للزيادة والنقصان هاهنا ، إلا أن يحصل في إحدى الجملتين شيء لم يحصل في الأخرى ، وهو لا يجب الانقطاع كما في مراتب الأعداد ، ومنها أنه لو كانت الحركات الماضية غير متناه لامتنع انقضاؤها ، لأن ما لا يتناهى لا ينقضى ضرورة واللازم باطل ، لأن حصول اليوم الذي نحن فيه موقوف على انقضاء ما قبله. وردّ بالمنع فإن غير المتناهي إنما يستحيل انقضاؤه من
__________________
(١) زحل : في الفلك سادس كوكب من الشمس وبعده عنها ١٤٢٥٧٦٧٠٨ كم في المتوسط ويدور حولها في ثلاثين عاما وحجمه ٧٢٤ مرة حجم الأرض وكتلته ٩ ، ٩٤ قدر كتلتها وكثافته ثمن كثافتها ، وقرصه منبعج عند الاستواء حيث قطره ١٢٠٠٠٠ كم دورته حول محوره تتناقص كلما اقتربنا من خط الاستواء (من ١٠ ساعات و ٣٨ دقيقة الى ١٠ ساعات و ١٤ دقيقة) وذلك يشير الى قوام سائل او غازي ، وفي غلافه الجوي غاز الميثان ، والنشادر ، ويدور حوله تسعة أقمار ، التاسع منها حركته تراجعية ، واكبرها يسمى تيتان في حجم عطارد ، وله غلاف جوى ، وحول زحل مجموعة حلقات في مستوى خط الاستواء اكتشفها (جاليليو) وثبت فيما بعد انها ثلاث حلقات يفصل الخارجيتين حاجز مظلم ، وألمعها الحلقة الوسطى ، وقطر الحلقات ٢٧٥٠٠٠ كم وسمكها من ١٦ الى ٨٠ كم وتبدو كل ١٥ سنة كسهم دقيق نظرا لتغيير وضعها بالنسبة للأرض وثبت انها تتكون من عدد كبير من الأجسام الصغيرة تدور حول الكوكب. (راجع الموسوعة الثقافية ص ٥١١)