وأجاب آخرون بأن اللزوم بحسب الوجود لا ينافي التقابل بحسب الصدق كما بين الزوج والفرد ، والحصر في التصور المقيد بعدم الحكم ، وفي التصديق ليس بتام لخروج تصور الطرفين ، وبالجملة فكلام القوم صريح في أن التصور المعتبر في التصديق هو التصور المقابل له ، وهو التصور لا بشرط الحكم أعني الذي لم يعتبر فيه الحكم لا الذي اعتبر فيه عدم الحكم ، وصرح الإمام (١) والكاتبي (٢) بأن هذا هو المراد بالتصور الساذج والتصور فقط ، وحاصل التقسيم أن العلم إما أن يعتبر فيه الحكم وهو التصديق ، أو لا وهو التصور. ومعناه: ـ
أن التصديق هو الحكم مع ما يتعلق به من التصورات ، على ما هو صريح كلام الإمام ، لا الإدراك المقيد بالحكم على ما سبق إلى الفهم من عبارته ، حيث يقول : إنه الإدراك المقارن للحكم ، أو الإدراك الذي يلحقه الحكم كيف وأنه يذكر ذلك في معرض الاستدلال على كون التصور جزءا منه ، ثم إنه كثيرا ما يصرح بأنه عبارة عن نفس الحكم ، ويجعل الحكم تارة من قبيل الأفعال ، وتارة ماهية (٣) مسماة بالكلام النفسي ليست من جنس الاعتقاد ولا الإرادة.
والجمهور على أنه نفس الحكم ، وأنه نوع من العلم متميز عن التصور بحقيقته لا يتعلق إلا بالنسبة ، بخلاف التصور حيث يتعلق بها وبغيرها. ألا ترى أنك إذا شككت في حدوث العالم فقد تصورت العالم والحادث والنسبة بينهما من غير حكم وتصديق ، ثم إذا أقيم البرهان فقد علمت النسبة نوعا آخر من
__________________
(١) الإمام هو فخر الدين الرازي.
(راجع ترجمة له فيما تقدم).
(٢) الكاتبي : علي بن عمر بن علي الكاتبي القزويني نجم الدين ، ويقال له وبران ، حكيم منطقي ، من تلاميذه نصير الدين الطوسي له تصانيف منها الشمسية رسالة في قواعد المنطق ، وحكمة العين في المنطق والطبيعي والرياضي ، والمفصل شرح المحصل لفخر الدين الرازي في الكلام ، جامع الدقائق في كشف الحقائق. منطق. توفي سنة ٦٧٥ ه.
(راجع فوات الوفيات : ٦٦٢).
(٣) سقط من (ب) لفظ (ماهية).