لهم ، فبطريق أولى أن يكون دعاؤه وشفاعته سببا كذلك لنزول الفيض الأقدس على قابليات السالكين والمحتاجين ، فتأمل.
فعفوه سبحانه وتعالى عن المذنب بواسطة الشفيع لا يغيّر من واقع المغفرة شيئا سوى أنه رفع من مقام المشفوع له رحمة به ، وأظهر فضل الشفيع على غيره لكرامته عنده وفوزه لديه ، بل هو نوع تكريم وتبجيل لهم ولمقامهم ونوع إشادة بهم. وهؤلاء الكرام البررة لا يطلبون فيضه وغفرانه إلّا لمن استحقها وهو من لم يقطع صلته الإيمانية بالله وعلاقته الروحية مع أوليائه وشفعائه. فالآيات الآنفة الذكر حينما تدعو النبي الأكرم أن يستغفر للمؤمنين لكونه الوسيلة إلى الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة / ٣٦) حيث أن الوسيلة هي كل ما يتوسل به إلى الشيء ، فالآية تدعو إلى الاتيان بالقربات والقيام بالوظائف التي يتوسل بها الإنسان إلى مرضاته ورضوانه. فدعاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واستغفاره للمؤمنين ليست سنّة مخصوصة بالأمة الإسلامية بل جرت عليها مشيئته في الأمم السابقة حيث نرى أن أبناء يعقوب عند ما شعروا بالإثم راحوا يطلبون من أبيهم أن يستغفر الله لهم لذا وعدهم كما حكى عزوجل عنه وعنهم فقال : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٨) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يوسف / ٩٨ ـ ٩٩).
فالله تعالى هو صاحب الشفاعة أولا وآخرا ، فزمامها بيده عزوجل ، فهو الذي يبعث الشفيع حتى يشفع في حق المجرم الذي له صلاحية المغفرة ، فتصبح النتيجة أن رحمته الواسعة ومغفرته العميمة تصل من طريق الشفيع إلى عباده ، فالأمور كلها بيده وناشئة منه ، وراجعة إليه ، فلولاه سبحانه لما كان هناك بعث من المجرم لكي يشفع له الشفيع ، كما أنه لولاه لما كان هناك استجابة من الشفيع للمشفوع له ، فالله سبحانه هو الذي يبعث الشفيع على الدعاء والشفاعة ، وهو الذي يأذن له ويرتضي من يشاء من عباده ، وليس للشفيع هنا أي دخالة إن لم يأذن له الله سبحانه ، لذا ورد عنهم عليهمالسلام القول : نحن أوعية مشيئة الله. فجرت السنة الإلهية على إيصال المسببات عن طريق أسبابها ، فقد جعل لكل شيء سببا من دون أن يقوم هو سبحانه بنفسه مكان الأسباب والعلل ، بهذا التقرير يندفع