المجتمعات التى تصبغ نفسها بالإسلام ، وسيادة الظلم والتعسّف على المجتمعات الإسلامية خصوصا والعالمية عموما ، وبهذا تفترق فترتنا عن المرحلة الزمنيّة المتقدمة خلال وجود النبيّ.
الوجه الرابع : زيادة الامتحان وتأكّده خلال الغيبة الكبرى بحيث بات الفرد المؤمن خلالها يواجه عدة مزالق تكاد تطيح بكيانه ووجوده ، أهمها :
أولا : كثرة النوازع الذاتيّة والشهوات النفسيّة وزيادة الإغراء الجنسيّ بأشكال متعددة وأنماط مختلفة ، عبر وسائل الإعلام والصحف والأفلام بل الشوارع والأزقّة ، فهذا التحلّل الذي بلغ ذروته في زماننا الحاضر يتطلب من المرء الإشباع بإلحاح حتى ولو عن طريق غير مشروع ممّا يؤدّي بصاحبه «إن لم يكن متحصّنا بما يقيه من الوقوع في المهالك إلى إطلاق العنان في تصرفاته الرعناء فلا يبصر ما لديه من قوانين وأديان وتقاليد وأخلاق وقيم ومبادي ، وهذا النازع الشهواني وإن كان موجودا في عصر الغيبة الصغرى إلّا أنّه بلغ ذروته فصار أشدّ تأثيرا لزيادة الإغراء والتفنن في اللذة وتلبيس الانحراف بلباس التمدّن والحريّة المزيّفين.
ثانيا : مواجهة الفرد المؤمن لعناصر الضغط والقهر الفكريّ والسياسيّ والاجتماعي والاقتصاديّ ، وخضمّ من الصعوبات التي تعترض طريقه ممّا يحتاج في مكافحته إلى قوّة الإرادة ورباطة الجأش والعزم على التضحية والفداء.
ثالثا : وقوف المؤمن الممتحن أمام موجات التشكيك الاعتقادية والتاريخية التي لها ربط بتاريخنا المشرق ، إضافة إلى التشكيك في وجود الإمام المهدي (عج) الشريف وفي كل ما يتعلّق بقضيته خاصة وبالأئمة ومعجزاتهم بشكل عامّ ، ومسألة التشكيك هذه قد كثرت منذ بدء النهضة الأوروبية ، تلك النهضة التي لا يؤمن أصحابها بكل ما هو غائب عن الحسّ والتجربة ، فلا قيمة عندهم لغير المادّة وما وراء المادّة ، وهنا على الفرد الذي يحمل همّ القضية المرتبط بها أن يحصّل المناعة ضدّ هذه التيارات والصمود الفكري أمامها بالتركيز على المفاهيم والأسس الاعتقادية ، فبذلك يحقق السعادة في الدّارين ، ويسقط التكليف عن كاهله الدّاعي له أن يلقّح نفسه ضدّ مرض الشبهة ليحارب نافثيها والتركيز على الأسس والمفاهيم يتطلّب مثابرة طويلة وصبرا عظيما لتحقيق المبتغى في حين أنّ تحقيق هذا كان سهلا في الغيبة الصغرى نتيجة الاحتكاك الدائم بوليّ الله الأعظم عبر سفرائه رضي الله عنهم.