هؤلاء المذكورون ، ومنهم من طوت حديثه أجواز الفلى بموت السامعين في البراري والفلوات قبل أن ينهوه إلى غيرهم ، ومنهم من أرهبته الظروف والأحوال عن الإشادة بذلك الذكر الكريم ...
وجملة من الحضور كانوا من أعراب البوادي لم يتلق منهم حديث ولا انتهى إليهم الإسناد ، ومع ذلك كله ففي من ذكرناه غنى لإثبات التواتر (١). ثم ذكر أربعة وثمانين من التابعين ثم قال ليست الصحابة بالعناية بحديث الغدير بدعا من علماء القرون المتتابعة بعد قرنهم ، فإن الباحث يجد في كل قرن زرافات من الحفاظ الأثبات يروون هذه الاثارة من علم الدين متلقين عن سلفهم ، ويلقونها إلى الخلف ، شأن ما يتحقق عندهم ويخضعون لصحته من الأحاديث فإليك يسيرا من أسمائهم في كل قرن شاهدا على الدعوى ونحيل الحيطة بجميعها إلى طول باع القارئ الكريم والوقوف على الأسانيد ومعرفة المشيخة.
ثم شرع من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر وذكر وعدّ ستين وثلاثمائة من الحفّاظ والناقلين لحديث الغدير مع أنّ جمعا من هؤلاء كانوا يروون ذلك بطرق مختلفة كما قال في هامش ص ١٤ أن أحمد بن حنبل رواه من أربعين طريقا وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا ، والجزري المقرئ من ثمانين طريقا وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقا ، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا ، وفي هداية العقول ص ٣٠ عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر) أن له مائة وخمسين طريقا ، ثم قال العلّامة الأميني (قدسسره) في متن الغدير : بلغ اهتمام العلماء بهذا الحديث إلى غاية غير قريبة ، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب حتى أفرده جماعة بالتأليف ، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده ، وضبطوا ما صحّ لديهم من طريقه ، كل ذلك حرصا على كلاءة متنه من الدثور ، وعن تطرق يد التحريف إليه ثم أيّد تواتره بالمناشدة والاحتجاج حيث قال : لم يفتأ هذا الحديث منذ الصدر الأول ، وفي القرون الأولى ، حتى القرن الحاضر من الأصول المسلّمة ، يؤمن به القريب ويرويه المناوي من غير نكير في صدوره ، وكان ينقطع المجادل إذا خصمه مناظره بإنهاء القضية إليه ، ولذلك كثر الحجاج به وتوفّرت
__________________
(١) نفس المصدر ص ٦١.