الضرّ ليس دليلا محضا على عدم وجودها فيه ، فلا ملازمة بين وجود الولاية واستخدامها في جلب الخير لنفسه ودفع الضرّ عنه ، وإلّا لو كان هناك ملازمة عقلية في ذلك لكان على الله تعالى أن يستخدم ولايته التكوينية على من اعتدى على ساحة قدسه وكبرياء جلاله.
٢ ـ إنّ دفع الضرّ عن النفس وجلب الخير إليها هما مفهومان اعتباريان قد يختلف أحدهما عن الآخر من شخص لآخر حسب الاعتبار والأهمية التي يوليها هذا الشخص أو ذاك لمصداق الضر والخير ، (فلربما كان البعض ممن يحسب أنّ كسب المال هو قمة الخير لا يوليه الآخر نفس هذه القيمة ، لأن المال لديه ليس بنفس القيمة الموجودة في نفس الأول ، بل قد نجد أنّ البعض قد يعدّ المال مصداقا من مصاديق الضر ، ولربما كان البعض ممن يحسب أنّ التعرّض إلى البلاء الفلاني هو قمة الضرّ ، فيما يعدّه البعض الآخر ليس بهذه الصورة من الضرّ أو قد يحسبه البعض من صور الخير كما في تعرّض الجبان إلى الموت ، وإقدام المجاهد عليه.
ومن هذا المنطلق نقول إن تشخيص ما نتصوره ضرّا قد يكون لدى غيرنا هو الخير بعينه ، ولهذا إن تصورنا في أنّ المعصوم لم يبحث عن الخير مسألة متوقفة وغير تامة ، لأننا لم ندرك كنة الخير الذي في إدراك المعصوم ، خصوصا وأنه لا يدخل في حساباته البعد الذاتي في شخصيته ، وإنما ينظر دائما وأبدا إلى مصالح العهد الرّباني الذي بين يديه ، وهو لم ينله إلّا بعد أن آلى على نفسه أن يتحمل الضرّ في سبيل مصلحة العقيدة والرسالة الربّانية ، وهذا ما توضحه الآية الكريمة (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (السجدة / ٢٥).
ومعلوم أن مصالح الشريعة لا تدرك بالضرورة من غير المعصوم ولهذا فإن كان المعصوم يعتبر خدمة الشريعة تفوق في الاعتبار أي ضرر شخصي يتوجه إليه ، فإنه سوف يتحمل هذا الضرر بكل رضا ، وما أروع النبي يوسف عليهالسلام حينما يعبّر عن هذا المفهوم بقوله : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) (يوسف / ٣٤) فهو يتحمل ضراء السجن وما يترتب عليه من أجل خدمة العقيدة والرسالة الموكلة إليه ، ولا يتحمل ذلك فحسب ، وإنما يذهب إلى حدّ حب هذا الضّر وطلبه.