أما النقطة الأولى :
قد عرفت مما تقدم في البحوث السابقة أنّ العقل غير قادر على الإحاطة بالمعارف والعلوم المؤثرة بالسعادة الدنيوية والأخروية ، لذا اقتضت الحكمة الإلهية تأييده بتعيين الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ليتم تعليمهم الحقائق الضرورية ليبلّغوها لسائر البشر ، بحيث تقام عليهم الحجة لئلا يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (طه / ١٣٥) (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (القصص / ٤٨).
وحتى تكون الحجة لله ولا يكون للناس على الله حجة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (الأنعام / ١٥٠) (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء / ١٦٦).
قد يقال :
إنه ليس من الضروري ، تعدّد الأنبياء والشرائع ، بل يكفي أن يجعل سبحانه للناس شريعة واحدة بواسطة نبي واحد ، تتوفر فيها كل الأحكام التي تحتاجها البشرية على مرّ العصور ، بحيث يتمكن كل فرد من التعرّف على وظيفته من خلال رسالة هذا النبي الواحد!
والجواب :
١ ـ إنّ أيّ قانون يشرع لتيسير وتنظيم حياة الناس ، لا بدّ أن يلحظ فيه وجد راع يأخذ بأيدي المكلفين إلى سبل الطاعة ويحرس هذه الأحكام من أن تتلاعب بها الأهواء ، والأطماع ، حتى لا تسود الفوضى ويكثر الهرج والمرج بين العباد ، فيختل النظام ، الذي شاءت القدرة الإلهية أن يكون منضبطا ومتكاملا مع انضباط وتكامل أفراده ، والحارس المذكور يعتبر شخصا مميزا بصفات ربانية ، تؤهله لأن يكون سفيرا إلى الناس من قبل الله تعالى للحكمة المتقدمة ، وهذا السفير هو النبي ، وبقاؤه حيّا إلى نهاية العالم ليهدي جميع البشر وإن كان مقدورا لله تعالى إلّا أنّ الحكمة تقتضي إيجاد غيره دفعا لتوهّم عدم القدرة على إيجاد غير هذا النبي على ساحة الوجود ، لأنه سبحانه عند ما بعث الأنبياء والرسل والأولياء عليهمالسلام مسدّدين ملهمين ، لم يفعل ذلك بهم قهرا ، وإنما نتيجة قابليات عندهم ، من هذا المنطلق لا يخلو منهم زمن ، فتعددهم على مرّ الأزمنة والدهور لازم