شروره وهو خلاف حكمته وجوده عزّ شأنه. فخلقة الشرور بناء على وجوديتها تكون مقصودة بالتبع لا أصالة إذ لا يصح خلق العالم المادي بدونها.
الوجه الثالث :
إنّ للشرور منافع وفوائد كثيرة بحيث يمكن سلب الشرّية عن الشرور بملاحظتها والتدقيق في خواتيمها لذا فإنّ الإحساس بالألم يدفع المتألم إلى علاج مرضه إبقاء على حياته لذا قال الحكماء : «لو لا التضاد ما صحّ دوام الفيض عن المبدأ الجواد» ، لأنّ في الشرور تأثيرا في التكامل والتسابق نحو الخيرات ، ألا ترى أنه لو لا الحرب لما كانت الحضارة والتقدم ، ولو لا المرض لما عرف الناس الدواء وهكذا ...
فحركة العالم المادي وسوقه نحو الكمال لا يحصل بدون التزاحم والتضاد بل إنّ السير نحو الكمال موقوف على تلك الأمور التي تسمى شرورا ، فمن هنا تظهر فائدة الشرور وأهميتها على الصعيد الفردي أو الاجتماعي وغير ذلك ، وبذلك ينقدح ما قيل : إنّ شرّية ما يسمى شرّا بلحاظ إضافته إلى جزئي وشيء خاص لا بلحاظ أوسع وإلّا فهو خير وليس بشرّ.
الوجه الرابع :
إنّ البلايا والآفات والعاهات كثيرا ما تصلح لإعداد الكمالات المعنوية كالتوجه إليه تعالى والانقطاع إليه والتخلق بالأخلاق الفاضلة بحيث لو لم تكن تلك الأمور لا يمكن نيل تلك الكمالات المعنوية ، فمثلا : من أصابه مرض وأقدم على العلاج وصبر عليه ودعا وتضرّع إليه تعالى ورضي بما قدّره له من الشفاء أو عدمه حصل له من القرب إليه تعالى والتخلق بالأخلاق الحسنة ما لم يكن قبل ابتلائه ، فالمرض أعدّ له هذا التكامل المعنوي ، وكذلك من صار فقيرا من دون تفريط في الكسب وقنع بما في يده ورضي بما قدّر ولم يخضع لغني طمعا بماله حصل له ملكة القناعة وعزّة النفس وغيرها من الملكات الفاضلة ما لم يحصل عليه قبل الابتلاء بالفقر وهكذا بقية البلايا والآفات فهي خير زاد لإعداد النفس نحو الفضيلة والتقوى.
فهذه البلايا في الحقيقة ليست شرورا بالنسبة إلى من يجعلها وسيلة لاستكمال نفسه وتخلقه بالأخلاق الحسنة وإنما هي شرور بالنسبة إلى من لا يستفيد منها في طريق الاستكمال ، وعليه فشرّيتها ليست في نفسها بل في نفس من