وقال أيضا :
«يخبر لا بلسان ولهوات ويسمع لا بحروف وأدوات ، يقول ولا يلفظ ويحفظ ولا يتحفّظ ويريد ولا يضمر» (١).
فكون كلامه تعالى هو فعله مما حكم بصحته العقل ، وما قيل من أنّ العقل لا يحكم بكونه متكلّما يراد منه قيام صفة الكلام فيه لاستحالته عليه تعالى لأنّ ذلك من صفات المحدثات والمحتاجين.
النظرية الثانية : الكلام النفسي :
ذهب الأشاعرة إلى كون كلامه تعالى نفسيا ، وجعلوه من الصفات الذاتية كالحياة والقدرة والعلم ، فهو قديم بقدم الذات وليس حادثا قابلا للزوال.
ومعنى الكلام النفسي عندهم هو صفة قائمة بالنفس مدلول عليه باللفظ والعبارة ، وهذا الكلام مغاير للعلم والقدرة وبقيّة الصفات الذاتية ، والكلام النفسي واحد ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا نداء وغير ذلك ، ومثّلوا له بتمثلات منها أن المتكلم عند ما يخبر عن شيء ففيه عدة تصورات وتصديقات كلّها من مقولة العلم ، أما التصور فهو عبارة عن إحضار الموضوع والمحمول والنسبة بينهما في الذهن ، وأما التصديق فهو الإذعان بنفس النسبة.
ولا شك أن التصور والتصديق هما جزءا العلم ، لأنّ العلم إما تصور أو تصديق ، فالعلم منقسم إليهما. فالأشاعرة ادّعوا أن هناك شيئا وراء العلم والإرادة والكراهة في ذهن المتكلم يسمّى بالكلام النفسي وهو الكلام حقيقة ، وأما الكلام اللفظي فهو تعبير عنه والفرق بين الكلام النفسي عند الإنسان والخالق ، هو أنه عند الإنسان يعتبر حادثا يتبع حدوث ذاته ، وفي الله سبحانه قديم بقدم الذات الإلهية.
وقد أوضح حقيقة النفسي ثلة من علمائهم منهم الفضل بن روزبهان حيث قال موضحا :
(إنّ الكلام لفظ مشترك يطلقونه على المؤلف من الحروف المسموعة ، وتارة يطلقونه على المعنى القائم بالنفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ويقولون هو الكلام حقيقة ، وهو قديم قائم بذاته ، ولا بدّ من إثبات هذا الكلام ، فإن العرف لا
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦ ، شرح صبحي الصالح / ٢٧٤.